فصل: كِتَابُ الصِّيَالِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ وَالتَّعَازِيرِ

وَالْأَشْرِبَةُ جَمْعُ شَرَابٍ بِمَعْنَى مَشْرُوبٍ، وَالشَّرِيبُ‏:‏ الْمُولَعُ بِالشَّرَابِ، وَالشَّرْبُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَسُكُونُ الرَّاءِ‏:‏ الْجَمَاعَةُ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، وَشُرْبُهُ مِنْ كِبَارِ الْمُحَرَّمَاتِ، بَلْ هِيَ أُمُّ الْكَبَائِرِ كَمَا قَالَهُ عُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ‏}‏ الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ‏}‏ وَهُوَ الْخَمْرُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَاسْتُشْهِدَ لَهُ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ‏:‏ شَرِبْتُ الْإِثْمَ حَتَّى ضَلَّ عَقْلِي كَذَاكَ الْإِثْمُ يَذْهَبُ بِالْعُقُولِ وَتَظَافَرَتْ الْأَحَادِيثُ عَلَى تَحْرِيمِهَا‏.‏ رَوَى أَبُو دَاوُد ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ الْخَمْرَةَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ‏}‏‏.‏ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏‏:‏ مَنْ شَرِبَهَا فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يَتُبْ حَرَّمَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ‏}‏‏.‏ وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ‏}‏ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهَا، وَلَا الْتِفَاتَ إلَى قَوْلِ مَنْ حُكِيَ عَنْهُ إبَاحَتُهَا‏.‏ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَشْرَبُونَهَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ اسْتِصْحَابًا مِنْهُمْ بِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ بِشَرْعٍ فِي إبَاحَتِهَا عَلَى وَجْهَيْنِ، رَجَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ الْأَوَّلَ، وَالْمُصَنِّفُ الثَّانِي‏.‏ وَكَانَ تَحْرِيمُهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ بَعْدَ أُحُدٍ، وَقِيلَ‏:‏ بَلْ كَانَ الْمُبَاحُ الشُّرْبَ، لَا مَا يَنْتَهِي إلَى السُّكْرِ الْمُزِيلِ لِلْعَقْلِ فَإِنَّهُ حُرِّمَ فِي كُلِّ مِلَّةٍ حَكَاهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ‏.‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ‏:‏ وَهُوَ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَالْخَمْرُ الْمُسْكِرُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَإِنْ لَمْ يَقْذِفْ بِالزَّبَدِ، وَاشْتَرَطَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يَقْذِفَ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وُقُوعِ اسْمِ الْخَمْرِ عَلَى الْأَنْبِذَةِ حَقِيقَةً، فَقَالَ الْمُزَنِيّ وَجَمَاعَةٌ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الصِّفَةِ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فِي الِاسْمِ، وَهُوَ قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ، وَنَسَبَ الرَّافِعِيُّ إلَى الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا إلَّا مَجَازًا‏.‏ أَمَّا فِي التَّحْرِيمِ وَالْحَدِّ فَهُوَ كَالْخَمْرِ، لَكِنْ لَا يُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّهَا، بِخِلَافِ الْخَمْرِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهَا دُونَ تِلْكَ، فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَحْرِيمِهَا، وَلَمْ يَسْتَحْسِنْ الْإِمَامُ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ مُسْتَحِلِّ الْخَمْرِ‏.‏ قَالَ وَكَيْفَ نُكَفِّرُ مَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ، وَنَحْنُ لَا نُكَفِّرُ مَنْ يَرُدُّ أَصْلَهُ، وَإِنَّمَا نُبَدِّعُهُ، وَأَوَّلَ كَلَامَ الْأَصْحَابِ عَلَى مَا إذَا صَدَّقَ الْمُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ ثَبَتَ شَرْعًا ثُمَّ حَلَّلَهُ فَإِنَّهُ رَدٌّ لِلشَّرْعِ، حَكَاهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ‏.‏ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا إنْ صَحَّ فَلْيَجْرِ فِي سَائِرِ مَا حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى افْتِرَاضِهِ فَنَفَاهُ، أَوْ تَحْرِيمِهِ فَأَثْبَتَهُ‏.‏ وَأَجَابَ عَنْهُ الزَّنْجَانِيُّ بِأَنَّ مُسْتَحِلَّ الْخَمْرِ لَا نُكَفِّرُهُ لِأَنَّهُ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ فَقَطْ، بَلْ لِأَنَّهُ خَالَفَ مَا ثَبَتَ ضَرُورَةً أَنَّهُ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِجْمَاعُ وَالنَّصُّ عَلَيْهِ، وَشَمِلَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ‏.‏

المتن‏:‏

كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرُمَ قَلِيلُهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرُمَ‏)‏ هُوَ، وَ ‏(‏قَلِيلُهُ‏)‏ جَمِيعُ الْأَشْرِبَةِ مِنْ نَقِيعِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَغَيْرِهِمَا لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا‏:‏ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ‏}‏‏.‏ وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرَ ‏{‏كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ‏}‏‏.‏ وَرَوَى النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ‏:‏ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏أَنْهَاكُمْ عَنْ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ‏}‏، وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ ‏{‏مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ قَلِيلُهُ حَرَامٌ‏}‏، وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْقَدْرِ الَّذِي لَا يُسْكِرُ مِنْ نَقِيعِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَغَيْرِهِ، وَاسْتَنَدَ لِأَحَادِيثَ مَعْلُومَةٍ بَيْنَ الْحُفَّاظِ، وَأَيْضًا أَحَادِيثُ التَّحْرِيمِ مُتَأَخِّرَةٌ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا وَإِنَّمَا حَرُمَ الْقَلِيلُ‏.‏

المتن‏:‏

وَحُدَّ شَارِبُهُ إلَّا صَبِيًّا وَمَجْنُونًا وَحَرْبِيًّا وَذِمِّيًّا وَمُوجَرًا وَكَذَا مُكْرَهٌ عَلَى شُرْبِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَحُدَّ شَارِبُهُ‏)‏ وَإِنْ كَانَ لَا يُسْكِرُ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ كَمَا حَرُمَ تَقْبِيلُ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْخَلْوَةِ بِهَا لِإِفْضَائِهِ إلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ، وَلِحَدِيثٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ ‏{‏مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ‏}‏ وَقِيسَ بِهِ شُرْبُ النَّبِيذِ، وَلَوْ فُرِضَ شَخْصٌ لَا يُسْكِرُهُ شُرْبُ الْخَمْرِ حَرُمَ شُرْبُهُ لِلنَّجَاسَةِ لَا لِلْإِسْكَارِ، وَيُحَدُّ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ‏:‏ وَغَيْرُهُ حَسْمًا لِلْبَابِ كَمَنْ شَرِبَ قَدْرًا يُؤَثِّرُ فِيهِ لَا يُسْكِرُ، وَمَنْ حُدَّ ثُمَّ شَرِبَ الْمُسْكِرَ حَالَ سُكْرِهِ فِي الشُّرْبِ الْأَوَّلِ حُدَّ ثَانِيًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

الْمُرَادُ بِالشَّارِبِ الْمُتَعَاطِي شُرْبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، سَوَاءٌ فِيهِ الْمُتَّفَقِ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَالْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَسَوَاءٌ جَامِدُهُ وَمَائِعُهُ مَطْبُوخُهُ وَنِيئِهِ، وَسَوَاءٌ أَتَنَاوَلَهُ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ أَمْ إبَاحَتَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ لِضَعْفِ أَدِلَّةِ الْإِبَاحَةِ كَمَا مَرَّ، وَخَرَجَ بِالشَّرَابِ النَّبَاتُ‏.‏ قَالَ الدَّمِيرِيُّ‏:‏ كَالْحَشِيشَةِ الَّتِي تَأْكُلُهَا الْحَرَافِيشُ، وَنَقَلَ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ عَنْ الرُّويَانِيِّ أَنَّ أَكْلَهَا حَرَامٌ وَلَا حَدَّ فِيهَا‏.‏ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ‏:‏ يَجِبُ عَلَى آكِلِهَا التَّعْزِيرُ وَالزَّجْرُ دُونَ الْحَدِّ، وَلَا تَبْطُلُ بِحَمْلِهَا الصَّلَاةُ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ‏:‏ إنَّ الْحَشِيشَةَ أَوَّلُ مَا ظَهَرَتْ فِي آخِرِ الْمِائَةِ السَّادِسَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ حِينَ ظَهَرَتْ دَوْلَةُ التَّتَارِ، وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُنْكَرِ، وَشَرٌّ مِنْ الْخَمْرِ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ لِأَنَّهَا تُورِثُ نَشْوَةً وَلَذَّةً وَطَرَبًا كَالْخَمْرِ وَيَصْعُبُ الْفِطَامُ عَنْهَا أَكْثَر مِنْ الْخَمْرِ، وَقَدْ أَخْطَأَ الْقَائِلُ فِيهَا‏:‏ حَرَّمُوهَا مِنْ غَيْرِ عَقْلٍ وَنَقْلٍ وَحَرَامٌ تَحْرِيمُ غَيْرِ الْحَرَامِ وَكُلُّ مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ مِنْ غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ مِنْ نَحْوِ بَنْجٍ لَا حَدَّ فِيهِ كَالْحَشِيشَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلَذُّ وَلَا يُطْرِبُ وَلَا يَدْعُو قَلِيلُهُ إلَى كَثِيرِهِ، بَلْ فِيهِ التَّعْزِيرُ، وَلَا تُرَادُ الْخَمْرَةُ الْمَعْقُودَةُ وَالْحَشِيشُ الْمُذَابُ نَظَرًا لِأَصْلِهِمَا، وَبِالْمُسْكِرِ غَيْرُهُ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُسْكِرِ الْمُنَصَّفُ، وَهُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْ تَمْرٍ وَرُطَبٍ، وَالْخَلِيطُ وَهُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْ بُسْرٍ وَرُطَبٍ؛ لِأَنَّ الْإِسْكَارَ يُسْرِعُ إلَى ذَلِكَ بِسَبَبِ الْخَلْطِ قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ فَيَظُنُّ الشَّارِبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْكِرٍ وَيَكُونُ مُسْكِرًا، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ شَارِبِهِ مُكَلَّفًا مُلْتَزِمًا لِلْأَحْكَامِ مُخْتَارًا عَالِمًا بِأَنَّ مَا شَرِبَهُ مُسْكِرٌ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَمُحْتَرَزُ هَذِهِ الْقُيُودِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ ‏(‏إلَّا صَبِيًّا وَمَجْنُونًا‏)‏ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُمَا ‏(‏وَحَرْبِيًّا‏)‏ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ ‏(‏وَذِمِّيًّا‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ بِالذِّمَّةِ مَا لَا يَعْتَقِدُ إلَّا الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْعِبَادِ ‏(‏وَمُوجَرًا‏)‏ أَيْ‏:‏ مَصْبُوبًا فِي حَلْقِهِ قَهْرًا ‏(‏وَكَذَا مُكْرَهٌ عَلَى شُرْبِهِ‏)‏ أَيْ الْمُسْكِرِ ‏(‏عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ‏}‏ وَيُقَابِلُ الْمَذْهَبُ طَرِيقَةً حَاكِيَةً لِوَجْهَيْنِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ قَوْلِهِ‏:‏ إلَّا صَبِيًّا وَمَا بَعْدَهُ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ التَّحْرِيمِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ، لَكِنَّ الْأَصْحَابَ إنَّمَا ذَكَرُوهُ فِي الْحَدِّ وَعَدَمِهِ، نَعَمْ تَعَرَّضُوا لِلْحِلِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِكْرَاهِ وَالصَّحِيحُ الْحِلُّ، وَبِهِ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ فِي الْجِرَاحِ‏:‏ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَتَقَيَّأَهُ، وَقِيلَ يَجِبُ، وَقِيلَ يُسَنُّ‏.‏ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَمَنْ جَهِلَ كَوْنَهَا خَمْرًا‏:‏ لَمْ يُحَدَّ، وَلَوْ قَرُبَ إسْلَامُهُ فَقَالَ‏:‏ جَهِلْتُ تَحْرِيمَهَا لَمْ يُحَدَّ، أَوْ جَهِلْتُ الْحَدَّ حُدَّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَمَنْ جَهِلَ كَوْنَهَا‏)‏ أَيْ الْخَمْرِ ‏(‏خَمْرًا‏)‏ فَشَرِبَهَا ظَانًّا كَوْنَهَا شَرَابًا لَا يُسْكِرُ ‏(‏لَمْ يُحَدَّ‏)‏ لِلْعُذْرِ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَةِ مُدَّةِ السُّكْرِ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ السَّكْرَانُ بَعْدَ الْإِصْحَاءِ كُنْتُ مُكْرَهًا، أَوْ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الَّذِي شَرِبْتُهُ مُسْكِرًا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ‏.‏ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ‏:‏ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ ‏(‏وَلَوْ قَرُبَ إسْلَامُهُ فَقَالَ جَهِلْتُ تَحْرِيمَهَا لَمْ يُحَدَّ‏)‏ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ مَنْ نَشَأَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ‏.‏ أَمَّا مَنْ نَشَأَ فِيهَا فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ ا هـ‏.‏

وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْإِطْلَاقُ وَهُوَ الظَّاهِرُ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ‏:‏ عَلِمْتُ تَحْرِيمَهَا وَلَكِنْ ‏(‏جَهِلْتُ الْحَدَّ‏)‏ بِشُرْبِهَا ‏(‏حُدَّ‏)‏ لِأَنَّ مِنْ حَقِّهِ إذَا عَلِمَ التَّحْرِيمَ أَنْ يَمْتَنِعَ‏.‏

المتن‏:‏

وَيُحَدُّ بِدُرْدِيِّ خَمْرٍ لَا بِخُبْزٍ عُجِنَ دَقِيقُهُ بِهَا، وَمَعْجُونٍ هِيَ فِيهِ، وَكَذَا حُقْنَةٌ وَسَعُوطٌ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيُحَدُّ بِدُرْدِيِّ خَمْرٍ‏)‏ وَهُوَ بِمُهْمَلَاتٍ وَتَشْدِيدِ آخِرِهِ‏:‏ مَا فِي أَسْفَلِ وِعَاءِ الْخَمْرِ مِنْ عَكَرٍ لِأَنَّهُ مِنْهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَلَامُهُ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ دُرْدِيَّ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْكِرَاتِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَمِيعِ، وَيُحَدُّ بِالثَّخِينِ مِنْهَا إذَا أَكَلَهُ، وَ ‏(‏لَا‏)‏ يُحَدُّ بِشُرْبِهَا فِيمَا اُسْتُهْلِكَتْ فِيهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْإِمَامِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّضَاعِ وَلَا ‏(‏بِخُبْزٍ عُجِنَ دَقِيقُهُ بِهَا‏)‏ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ عَيْنَ الْخَمْرِ أَكَلَتْهَا النَّارُ وَبَقِيَ الْخُبْزُ نَجِسًا ‏(‏وَ‏)‏ لَا ‏(‏مَعْجُونٍ هِيَ فِيهِ‏)‏ لِاسْتِهْلَاكِهَا وَلَا بِأَكْلِ لَحْمٍ طُبِخَ بِهَا بِخِلَافِ مَرَقِهِ إذَا شَرِبَهُ أَوْ غَمَسَ فِيهِ أَوْ ثَرَدَ بِهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِبَقَاءِ عَيْنِهَا ‏(‏وَكَذَا حُقْنَةٌ‏)‏ بِهَا بِأَنْ أَدْخَلَهَا دُبُرَهُ ‏(‏وَسَعُوطٌ‏)‏ بِفَتْحِ السِّينِ بِأَنْ أَدْخَلَهَا أَنْفَهُ، فَلَا يُحَدُّ بِذَلِكَ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِأَنَّ الْحَدَّ لِلزَّجْرِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ هُنَا فَإِنَّ النَّفْسَ لَا تَدْعُو إلَيْهِ‏.‏ وَالثَّانِي يُحَدُّ فِيهِمَا كَمَا يَحْصُلُ الْإِفْطَارُ بِهِمَا لِلصَّائِمِ‏.‏ وَالثَّالِثُ وَجَرَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ يُحَدُّ فِي السَّعُوطِ دُونَ الْحُقْنَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَطْرَبُ بِهِ بِخِلَافِ الْحُقْنَةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَمَنْ غَصَّ بِلُقْمَةٍ أَسَاغَهَا بِخَمْرٍ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُهَا لِدَوَاءٍ وَعَطَشٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَمَنْ غَصَّ‏)‏ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ بِخَطِّهِ، وَحُكِيَ ضَمُّهَا وَالْفَتْحُ أَجْوَدُ‏.‏ قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالْمُصَنِّفُ فِي تَهْذِيبِهِ‏:‏ أَيْ‏:‏ شَرِقَ ‏(‏بِلُقْمَةٍ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏أَسَاغَهَا‏)‏ أَيْ أَزَالَهَا ‏(‏بِخَمْرٍ‏)‏ وُجُوبًا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ ‏(‏إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا‏)‏ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إنْقَاذًا لِلنَّفْسِ مِنْ الْهَلَاكِ وَالسَّلَامَةُ بِذَلِكَ قَطْعِيَّةٌ بِخِلَافِ التَّدَاوِي، وَهَذِهِ رُخْصَةٌ وَاجِبَةٌ ‏(‏وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُهَا‏)‏ أَيْ تَنَاوُلِهَا عَلَى مُكَلَّفٍ ‏(‏لِدَوَاءٍ وَعَطَشٍ‏)‏ أَمَّا تَحْرِيمُ الدَّوَاءِ بِهَا فَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا سُئِلَ عَنْ التَّدَاوِي بِهَا‏.‏ قَالَ ‏{‏إنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ‏}‏، وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَلَبَ الْخَمْرَ مَنَافِعَهَا عِنْدَمَا حَرَّمَهَا، وَيَدُلُّ لِهَذَا، قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا‏}‏ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْخَمْرِ، رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏إنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ الْخَمْرَةَ سَلَبَهَا الْمَنَافِعَ‏}‏ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ أَنَّ فِيهَا مَنَافِعَ لِلنَّاسِ إنَّمَا هُوَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا، وَإِنْ سُلِّمَ بَقَاءُ الْمَنْفَعَةِ فَتَحْرِيمُهَا مَقْطُوعٌ بِهِ، وَحُصُولُ الشِّفَاءِ بِهَا مَظْنُونٌ، فَلَا يَقْوَى عَلَى إزَالَةِ الْمَقْطُوعِ بِهِ، وَأَمَّا تَحْرِيمُهَا لِلْعَطَشِ فَلِأَنَّهَا لَا تُزِيلُهُ، بَلْ تَزِيدُهُ؛ لِأَنَّ طَبْعَهَا حَارٌّ يَابِسٌ كَمَا قَالَهُ أَهْلُ الطِّبِّ، وَلِهَذَا يَحْرِصُ شَارِبُهَا عَلَى الْمَاءِ الْبَارِدِ‏.‏ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ‏:‏ سَأَلْتُ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ بِهَا‏.‏ فَقَالَ تَرْوِي فِي الْحَالِ ثُمَّ تُثِيرُ عَطَشًا شَدِيدًا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ هَذِهِ رِوَايَةُ فَاسِقٍ لَا تُقْبَلُ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ أَخْبَرَ بَعْدَ تَوْبَتِهِ‏.‏ وَالثَّانِي يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهَا‏:‏ أَيْ‏:‏ بِالْقَدْرِ الَّذِي لَا يُسْكِرُ كَبَقِيَّةِ النَّجَاسَاتِ، وَيَجُوزُ شُرْبُهَا لِإِسَاغَةِ اللُّقْمَةِ بِهَا، وَقِيلَ يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهَا دُونَ شُرْبِهَا لِلْعَطَشِ، وَقِيلَ عَكْسُهُ، وَشُرْبُهَا لِدَفْعِ الْجُوعِ كَشُرْبِهَا لِدَفْعِ الْعَطَشِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي التَّدَاوِي بِهَا بِصَرْفِهَا‏.‏ أَمَّا التِّرْيَاقُ الْمَعْجُونُ بِهَا وَنَحْوُهُ مِمَّا تُسْتَهْلَكُ فِيهِ فَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِهِ عِنْدَ فَقْدِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ التَّدَاوِي مِنْ الطَّاهِرَاتِ كَالتَّدَاوِي بِنَجَسٍ كَلَحْمِ حَيَّةٍ وَبَوْلٍ، وَلَوْ كَانَ التَّدَاوِي بِذَلِكَ لِتَعْجِيلِ شِفَاءٍ بِشَرْطِ إخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ عَدْلٍ بِذَلِكَ أَوْ مَعْرِفَتِهِ لِلتَّدَاوِي بِهِ، وَالنَّدُّ بِالْفَتْحِ الْمَعْجُونُ بِخَمْرٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِنَجَاسَتِهِ‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُجَوَّزَ كَالثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ لِإِمْكَانِ تَطْهِيرِهِ بِنَقْعِهِ فِي الْمَاءِ، وَدُخَانُهُ كَدُخَانِ النَّجَاسَةِ، فَفِي تَنَجُّسِ الْمُتَبَخِّرِ بِهِ وَجْهَانِ، وَقَضِيَّةُ تَشْبِيهِهِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا بِدُخَانِ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُمْنَعُ مِنْ التَّبَخُّرِ بِهِ، وَيَجُوزُ تَنَاوُلُ مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ مِنْ غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ لِقَطْعِ عُضْوٍ‏.‏ أَمَّا الْأَشْرِبَةُ فَلَا يَجُوزُ تَعَاطِيهَا لِذَلِكَ، وَيَنْبَغِي إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا أَوْ لَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ إلَّا بِهَا جَوَازُهُ، وَيُقَدَّمُ النَّبِيذُ عَلَى الْخَمْرِ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي حُرْمَتِهِ، وَمَحَلُّهُ فِي شُرْبِهَا لِلْعَطَشِ إذَا لَمْ يَنْتَهِ الْأَمْرُ بِهِ إلَى الْهَلَاكِ، فَإِنْ انْتَهَى بِهِ إلَى ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ تَنَاوُلُهَا كَتَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ إجْمَاعِ الْأَصْحَابِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ التَّدَاوِي بِهَا وَشُرْبِهَا لَا حَدَّ، وَكَذَا عَلَى التَّحْرِيمِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ فِي التَّدَاوِي عَنْ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيِّ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ، وَصَحَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، لِشُبْهَةِ قَصْدِ التَّدَاوِي وَمِثْلُهُ شُرْبُهَا لِلْعَطَشِ، وَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْمُعْتَبَرِينَ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ بِذَلِكَ ضَعَّفَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَجَزَمَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ بِجَوَازِ إسْقَائِهَا لِلْبَهَائِمِ وَإِطْفَاءِ الْحَرِيقِ بِهَا‏.‏ ‏(‏وَحَدُّ الْحُرِّ أَرْبَعُونَ‏)‏ جَلْدَةً لِمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ‏{‏كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْرِبُ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ أَرْبَعِينَ‏}‏‏.‏

المتن‏:‏

وَحَدُّ الْحُرِّ أَرْبَعُونَ وَرَقِيقٍ عِشْرُونَ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ حَدُّ ‏(‏رَقِيقٍ‏)‏ وَلَوْ مُبَعَّضًا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ ‏(‏عِشْرُونَ‏)‏ لِأَنَّهُ حَدٌّ يَتَبَعَّضُ فَتَنَصَّفَ عَلَى الرَّقِيقِ كَحَدِّ الزِّنَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ تَعَدَّدَ الشُّرْبُ كَفَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَحَدِيثُ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الشَّارِبِ فِي الرَّابِعَةِ مَنْسُوخٌ بِالْإِجْمَاعِ‏.‏ وَيُرْوَى أَنَّ أَبَا مِحْجَنٍ الثَّقَفِيَّ الْقَائِلَ‏:‏ إذَا مِتُّ فَادْفِنِّي إلَى أَصْلِ كَرْمَةٍ لِتَرْوِيَ عِظَامِي بَعْدَ مَوْتِي عُرُوقُهَا وَلَا تَدْفِنَنِّي فِي الْفَلَاةِ فَإِنَّنِي أَخَافُ إذَا مَا مِتُّ أَنْ لَا أَذُوقَهَا جَلَدَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِرَارًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ ثُمَّ تَابَ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ، وَذُكِرَ أَنَّهُ قَدْ نَبَتَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ أُصُولِ كَرْمٍ وَقَدْ طَالَتْ وَانْتَشَرَتْ وَهِيَ مُعَرِّشَةٌ عَلَى قَبْرِهِ بِنَوَاحِي جُرْجَانَ‏.‏

المتن‏:‏

بِسَوْطٍ أَوْ أَيْدٍ أَوْ نِعَالٍ أَوْ أَطْرَافِ ثِيَابٍ، وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ سَوْطٌ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَالْأَصْلُ فِي الْجَلْدِ أَنْ يَكُونَ ‏(‏بِسَوْطٍ أَوْ أَيْدٍ أَوْ نِعَالٍ أَوْ أَطْرَافِ ثِيَابٍ‏)‏ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ‏:‏ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَضْرِبُ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ‏}‏ وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ ‏{‏أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَكْرَانَ فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ، فَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِيَدِهِ، وَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِنَعْلِهِ، وَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِثَوْبِهِ‏}‏‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَيْسَ الْمُرَادُ بِطَرَفِ الثَّوْبِ‏:‏ الضَّرْبُ بِهِ عَلَى هَيْئَتِهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ يُفْتَلُ حَتَّى يَشْتَدَّ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ ‏(‏وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ‏)‏ لِلْجَلْدِ ‏(‏سَوْطٌ‏)‏ لِلسَّلِيمِ الْقَوِيِّ كَحَدِّ الزِّنَا وَالْقَذْفِ وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ الْمُتَّخَذُ مِنْ جُلُودِ سُيُورٍ تُلْوَى وَتُلَفُّ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُسَوِّطُ اللَّحْمَ بِالدَّمِ‏:‏ أَيْ يَخْلِطُهُ‏.‏ أَمَّا نِضْوُ الْخَلْقِ فَلَا يَجُوزُ جَلْدُهُ بِسَوْطٍ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ رَأَى الْإِمَامُ بُلُوغَهُ ثَمَانِينَ جَازَ فِي الْأَصَحِّ، وَالزِّيَادَةُ تَعْزِيرَاتٌ، وَقِيلَ حَدٌّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ رَأَى الْإِمَامُ بُلُوغَهُ‏)‏ أَيْ الْحَدِّ لِلْحُرِّ ‏(‏ثَمَانِينَ جَازَ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ الْمَنْصُوصِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏جَلَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَعُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ لِأَنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَحَدُّ الِافْتِرَاءِ ثَمَانُونَ‏}‏ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ‏"‏ أُتِيَ بِشَيْخٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي رَمَضَانَ فَضَرَبَهُ ثَمَانِينَ وَنَفَاهُ إلَى الشَّامِ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَشَيْخًا يَتَصَابَى ‏"‏‏.‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏ وَأُتِيَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِشَيْخٍ سَكِرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَضَرَبَهُ ثَمَانِينَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ الْغَدِ وَضَرَبَهُ عِشْرِينَ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ إنَّمَا ضَرَبْتُكَ هَذِهِ الْعِشْرِينَ لِجَرَاءَتِكَ عَلَى اللَّهِ وَإِفْطَارِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ‏"‏ وَالثَّانِي لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ لِرُجُوعِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ ذَلِكَ، وَكَانَ يَجْلِدُ فِي خِلَافَتِهِ أَرْبَعِينَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يَجْرِي الْخِلَافُ فِي بُلُوغِهِ فِي الرَّقِيقِ أَرْبَعِينَ ‏(‏وَالزِّيَادَةُ‏)‏ عَلَيْهَا فِي الْحُرِّ، وَعَلَى الْعِشْرِينَ فِي غَيْرِهِ ‏(‏تَعْزِيرَاتٌ‏)‏ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَدًّا لِمَا جَازَ تَرْكُهَا ‏(‏وَقِيلَ حَدٌّ‏)‏ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ جِنَايَةٍ مُحَقَّقَةٍ‏.‏ وَاعْتُرِضَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ وَضْعَ التَّعْزِيرِ النَّقْصُ عَنْ الْحَدِّ فَكَيْفَ يُسَاوِيهِ‏؟‏‏.‏ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لِجِنَايَةٍ تَوَلَّدَتْ مِنْ الشَّارِبِ، وَلِهَذَا اُسْتُحْسِنَ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفُ بِتَعْزِيرَاتٍ عَلَى تَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ بِتَعْزِيرٍ‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَيْسَ هَذَا الْجَوَابُ شَافِيًا فَإِنَّ الْجِنَايَةَ لَمْ تَتَحَقَّقْ حَتَّى يُعَزَّرَ، وَالْجِنَايَاتُ الَّتِي تَتَوَلَّدُ مِنْ الْخَمْرِ لَا تَنْحَصِرُ فَلْتَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّمَانِينَ وَقَدْ مَنَعُوهَا‏.‏ قَالَ‏:‏ وَفِي قِصَّةِ تَبْلِيغِ الصَّحَابَةِ الضَّرْبَ ثَمَانِينَ أَلْفَاظٌ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّ الْكُلَّ حَدٌّ، وَعَلَيْهِ فَحَدُّ الشُّرْبِ مَخْصُوصٌ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْحُدُودِ بِأَنْ يَتَحَتَّمَ بَعْضُهُ وَيَتَعَلَّقَ بَعْضُهُ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ‏.‏ ا هـ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا تَعْزِيرَاتٌ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ اقْتِصَارًا عَلَى مَا وَرَدَ‏.‏

المتن‏:‏

وَيُحَدُّ بِإِقْرَارِهِ أَوْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، لَا بِرِيحِ خَمْرٍ وَسُكْرٍ وَقَيْءٍ، وَيَكْفِي فِي إقْرَارٍ وَشَهَادَةٍ شَرِبَ خَمْرًا، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ مُخْتَارٌ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَثْبُتُ بِهِ شُرْبُ الْمُسْكِرِ‏.‏ فَقَالَ ‏(‏وَيُحَدُّ بِإِقْرَارِهِ‏)‏ كَقَوْلِهِ‏:‏ شَرِبْتُ خَمْرًا أَوْ شَرِبْتُ مِمَّا شَرِبَ مِنْهُ غَيْرِي فَسَكِرَ مِنْهُ ‏(‏أَوْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ‏)‏ يَشْهَدَانِ بِمِثْلِ ذَلِكَ ‏(‏لَا‏)‏ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ نَاقِصَةٌ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَلَا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ لِمَا مَرَّ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ، وَلَا ‏(‏بِرِيحِ خَمْرٍ وَسُكْرٍ وَقَيْءٍ‏)‏ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ شَرِبَ غَالِطًا أَوْ مُكْرَهًا، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ وَلَا يَسْتَوْفِيهِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ عَلَى الصَّحِيحِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، نَعَمْ سَيِّدُ الْعَبْدِ يَسْتَوْفِيهِ بِعِلْمِهِ لِإِصْلَاحِ مِلْكِهِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ تَفْصِيلٌ، بَلْ ‏(‏يَكْفِي‏)‏ الْإِطْلَاقُ ‏(‏فِي إقْرَارٍ‏)‏ مِنْ شَخْصٍ بِأَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا ‏(‏وَ‏)‏ فِي ‏(‏شَهَادَةٍ‏)‏ بِشُرْبِ مُسْكِرٍ ‏(‏شَرِبَ‏)‏ فُلَانٌ ‏(‏خَمْرًا‏)‏ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ وَهُوَ مُخْتَارٌ عَالِمٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِكْرَاهِ، وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِ الشَّارِبِ عِلْمُهُ بِمَا يَشْرَبُهُ فَنَزَلَ الْإِقْرَارُ وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ ‏(‏وَقِيلَ يُشْتَرَطُ‏)‏ التَّفْصِيلُ بِأَنْ يُزَادَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا‏.‏ كَقَوْلِ الْمُقِرِّ‏:‏ وَأَنَا عَالِمٌ مُخْتَارٌ‏:‏ وَكَقَوْلِ الشَّاهِدِ ‏(‏وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ مُخْتَارٌ‏)‏ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعَاقَبُ بِالْيَقِينِ كَالشَّهَادَةِ بِالزِّنَا، وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الزِّنَا قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا لَا حَدَّ فِيهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ ‏{‏الْعَيْنَانِ يَزْنِيَانِ‏}‏ بِخِلَافِ سُكْرِ الْمُسْكِرِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

سَكَتَ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَنْ حُكْمِ رُجُوعِ الْمُقِرِّ بِشُرْبِ خَمْرٍ وَهُوَ عَلَى مَا سَبَقَ فِي حَدِّ الزِّنَا‏.‏ فَإِنَّ كُلَّ مَا لَيْسَ مِنْ حَقِّ آدَمِيٍّ يُقْبَلُ الرُّجُوعُ فِيهِ‏.‏ ‏(‏وَلَا يُحَدُّ حَالَ سُكْرِهِ‏)‏ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ وَالتَّنْكِيلُ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ مَعَ السُّكْرِ، بَلْ يُؤَخَّرُ وُجُوبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْوَرْدِيِّ فِي بَهْجَتِهِ لِيَرْتَدِعَ‏.‏ فَإِنْ حُدَّ قَبْلَهَا فَفِي الِاعْتِدَادِ بِهِ وَجْهَانِ‏:‏ أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ‏:‏ الِاعْتِدَادُ بِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا يُحَدُّ حَالَ سُكْرِهِ، وَسَوْطُ الْحُدُودِ بَيْنَ قَضِيبٍ وَعَصًا وَ رَطْبٍ وَيَابِسٍ، وَيُفَرِّقُهُ عَلَى الْأَعْضَاءِ إلَّا الْمَقَاتِلَ وَالْوَجْهَ، قِيلَ‏:‏ وَالرَّأْسَ وَلَا تُشَدُّ يَدُهُ، وَلَا تُجَرَّدُ ثِيَابُهُ، وَيُوَالِي الضَّرْبَ بِحَيْثُ يَحْصُلُ زَجْرٌ وَتَنْكِيلٌ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَسَوْطُ الْحُدُودِ‏)‏ أَوْ التَّعَازِيرِ ‏(‏بَيْنَ قَضِيبٍ‏)‏ وَهُوَ الْغُصْنُ ‏(‏وَعَصًا‏)‏ غَيْرِ مُعْتَدِلَةٍ ‏(‏وَ‏)‏ بَيْنَ ‏(‏رَطْبٍ وَيَابِسٍ‏)‏ بِأَنْ يَكُونَ مُعْتَدِلَ الْجِرْمِ وَالرُّطُوبَةِ لِلِاتِّبَاعِ وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِوُجُوبِ هَذَا وَلَا بِنَدْبِهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ الْوُجُوبُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ‏.‏ وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صِفَةِ السَّوْطِ بَيَّنَ كَيْفِيَّةِ عَدَدِ الضَّرْبِ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَيُفَرِّقُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ السَّوْطَ‏:‏ أَيْ‏:‏ الضَّرْبَ بِهِ ‏(‏عَلَى الْأَعْضَاءِ‏)‏ فَلَا يَجْمَعُهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِلْجَلَّادِ‏:‏ ‏"‏ أَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ وَاتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ ‏"‏ وَالتَّفْرِيقُ وَاجِبٌ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ عَلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ يَعْظُمُ أَلَمُهُ بِالْمُوَالَاةِ، وَقَدْ يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِلْأَصْحَابِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ مِنْ الْأَعْضَاءِ قَوْلَهُ ‏(‏إلَّا الْمَقَاتِلَ‏)‏ وَهِيَ مَوَاضِعُ يُسْرِعُ الْقَتْلُ إلَيْهَا بِالضَّرْبِ كَقَلْبٍ وَثُغْرَةِ نَحْرٍ وَفَرْجٍ فَلَا يَضْرِبُهُ عَلَيْهَا لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ‏:‏ وَاتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ رَدْعُهُ لَا قَتْلُهُ، فَلَوْ ضَرَبَهُ عَلَى مَقْتَلٍ فَمَاتَ فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الدَّارِمِيِّ تَرْجِيحُ نَفْيِ الضَّمَانِ ‏(‏وَ‏)‏ إلَّا ‏(‏الْوَجْهَ‏)‏ فَلَا يَضْرِبُهُ عَلَيْهِ وُجُوبًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ ‏{‏إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ‏}‏ وَلِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ فَيَعْظُمُ أَثَرُ شَيْنِهِ ‏(‏قِيلَ‏:‏ وَ‏)‏ إلَّا ‏(‏الرَّأْسَ‏)‏ فَلَا يَضْرِبُهُ لِشَرَفِهِ كَالْوَجْهِ، وَالْأَصَحُّ وَعَزَاهُ الرَّافِعِيُّ لِلْأَكْثَرِينَ لَا، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ مُعَظَّمٌ غَالِبًا فَلَا يَخَافُ تَشْوِيهَهُ بِالضَّرْبِ بِخِلَافِ الْوَجْهِ‏.‏ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِلْجَلَّادِ‏:‏ اضْرِبْ الرَّأْسَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ فِي الرَّأْسِ‏.‏ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ‏:‏ وَفِي قَوْلٍ وَالرَّأْسُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ حَكَاهُ عَنْ نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ وَرَجَّحَهُ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَغَيْرُهُمْ‏.‏ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي التَّجْرِبَةِ‏:‏ غَلِطَ مَنْ قَالَ بِخِلَافِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَا يَجُوزُ لِلْجَلَّادِ رَفْعُ يَدِهِ بِحَيْثُ يَبْدُو بَيَاضُ إبِطِهِ، وَلَا يَخْفِضُهَا خَفْضًا شَدِيدًا، بَلْ يَتَوَسَّطُ بَيْنَ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، فَيَرْفَعُ ذِرَاعَهُ لَا عَضُدَهُ، وَلَا يُبَالِي بِكَوْنِ الْمَجْلُودِ رَقِيقَ الْجِلْدِ يُدْمِيهِ الضَّرْبُ الْخَفِيفُ ‏(‏وَلَا تُشَدُّ يَدُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَجْلُودِ بَلْ تُتْرَكُ مُطْلَقَةً يَتَّقِي بِهَا، وَإِذَا وَضَعَهَا عَلَى مَوْضِعٍ ضَرَبَ غَيْرَهُ، وَلَا يُلْقَى عَلَى وَجْهِهِ، وَلَا يُرْبَطُ، وَلَا يُمَدُّ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ بَلْ يُجْلَدُ الرَّجُلُ قَائِمًا وَالْمَرْأَةُ جَالِسَةً ‏(‏وَلَا تُجَرَّدُ ثِيَابُهُ‏)‏ الْخَفِيفَةُ الَّتِي لَا تَمْنَعُ أَثَرَ الضَّرْبِ‏.‏ أَمَّا مَا يَمْنَعُ كَالْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ وَالْفَرْوَةِ فَتُنْزَعُ عَنْهُ مُرَاعَاةً لِمَقْصُودِ الْحَدِّ، وَيُتْرَكُ عَلَى الْمَرْأَةِ مَا يَسْتُرُهَا، وَتُشَدُّ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، وَيَتَوَلَّى ذَلِكَ مِنْهَا امْرَأَةٌ أَوْ مَحْرَمٌ، وَيَكُونُ بِقُرْبِهَا إنْ تَكَشَّفَتْ سَتَرَهَا‏.‏ وَأَمَّا الْجَلْدُ فَيَتَوَلَّاهُ الرِّجَالُ؛ لِأَنَّ الْجَلْدَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ فِيمَا ذُكِرَ، لَكِنْ لَا يَخْتَصُّ بِشَدِّ ثِيَابِهِ الْمَرْأَةُ وَنَحْوُهَا، وَيُحْتَمَلُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا تَعَيُّنُ الْمَحْرَمِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَحْدُودُ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ ضُرِبَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْخَلَوَاتِ، وَإِلَّا فَفِي الْمَلَأ، وَلَا يُحَدُّ وَلَا يُعَزَّرُ فِي الْمَسْجِدِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ ‏{‏لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ‏}‏ وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَلَوَّثَ مِنْ جِرَاحَةٍ تَحْدُثُ، فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ كَالصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ، كَذَا قَالَاهُ هُنَا، وَقَضِيَّتُهُ تَحْرِيمُ ذَلِكَ، وَبِهِ جَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَكِنَّ الَّذِي ذَكَرَاهُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ، بَلْ يُكْرَهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ ‏(‏وَيُوَالِي الضَّرْبَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ زَجْرٌ وَتَنْكِيلٌ‏)‏ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ عَلَى الْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ لِعَدَمِ الْإِيلَامِ الْمَقْصُودِ فِي الْحَدِّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ إذَا فَرَّقَهَا عَلَى الْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ؛ لِأَنَّ مُسْتَنَدَ الْأَيْمَانِ إلَى الِاسْمِ، وَهُنَا التَّنْكِيلُ وَالزَّجْرُ وَلَمْ يَحْصُلْ، وَلَوْ جُلِدَ لِلزِّنَا خَمْسِينَ وِلَاءً وَفِي غَدِهِ كَذَلِكَ أَجْزَأَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَمْ يُضْبَطْ التَّفْرِيقُ الْجَائِزُ وَغَيْرُهُ‏.‏ قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ إنْ لَمْ يَحْصُلْ فِي كُلِّ دَفْعَةٍ أَلَمٌ لَهُ وَقَعَ كَسَوْطٍ أَوْ سَوْطَيْنِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَهَذَا لَيْسَ بِحَدٍّ، وَإِنْ آلَمَ وَأَثَّرَ بِمَا لَهُ وَقْعٌ، فَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ زَمَنٌ يَزُولُ فِيهِ الْأَلَمُ الْأَوَّلُ كَفَى، وَإِنْ تَخَلَّلَ لَمْ يَكْفِ عَلَى الْأَصَحِّ، ثُمَّ عَقَّبَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْجِنَايَاتِ السَّبْعَ الْمُوجِبَةَ لِلْحَدِّ بِالتَّعْزِيرِ، وَتَرْجَمَ لَهُ بِفَصْلٍ‏.‏

‏[‏ فَصْلٌ‏:‏ فِي التَّعْزِيرِ ‏]‏

المتن‏:‏

يُعَزَّرُ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ لَهَا وَلَا كَفَّارَةَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَقَالَ‏:‏ ‏[‏ فَصْلٌ ‏]‏ فِي التَّعْزِيرِ، وَهُوَ لُغَةً‏.‏ التَّأْدِيبُ‏.‏ وَأَصْلُهُ مِنْ الْعَزْرِ، وَهُوَ الْمَنْعُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَتُعَزِّرُوهُ‏}‏ أَيْ‏:‏ تَدْفَعُوا الْعَدُوَّ عَنْهُ وَتَمْنَعُوهُ، وَيُخَالِفُ الْحَدَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ أَوْجُهٍ‏.‏ أَحَدُهَا‏:‏ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، فَتَعْزِيرُ ذَوِي الْهَيْئَاتِ أَخَفُّ وَيَسْتَوُونَ فِي الْحَدِّ‏.‏ وَالثَّانِي تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ وَالْعَفْوُ بَلْ يُسْتَحَبَّانِ‏.‏ وَالثَّالِثُ التَّالِفُ بِهِ مَضْمُونٌ فِي الْأَصَحِّ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ‏.‏ وَشَرْعًا‏:‏ تَأْدِيبٌ عَلَى ذَنْبٍ لَا حَدَّ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏يُعَزَّرُ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ لَهَا وَلَا كَفَّارَةَ‏)‏ سَوَاءٌ أَكَانَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِآدَمِيٍّ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ مُقَدِّمَاتِ مَا فِيهِ حَدٌّ كَمُبَاشَرَةِ أَجْنَبِيَّةٍ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ، وَسَرِقَةِ مَا لَا قَطْعَ فِيهِ، وَالسَّبِّ بِمَا لَيْسَ بِقَذْفٍ أَمْ لَا كَالتَّزْوِيرِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَالضَّرْبِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنُشُوزِ الْمَرْأَةِ وَمَنْعِ الزَّوْجِ حَقَّهَا مَعَ الْقُدْرَةِ‏.‏ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ‏}‏ الْآيَةَ فَأَبَاحَ الضَّرْبَ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ فَكَانَ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى التَّعْزِيرِ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏فِي سَرِقَةِ الثَّمَرِ‏:‏ إذَا كَانَ دُونَ نِصَابٍ غُرْمُ مِثْلَيْهِ وَجَلَدَاتُ نَكَالٍ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ‏.‏ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ‏:‏ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سُئِلَ عَمَّنْ قَالَ لِرَجُلٍ‏:‏ يَا فَاسِقُ يَا خَبِيثُ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ يُعَزَّرُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ‏.‏ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ‏:‏ تَعْزِيرُ ذِي الْمَعْصِيَةِ الَّتِي لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسَائِلُ‏.‏ الْأُولَى‏:‏ إذَا صَدَرَ مِنْ وَلِيٍّ لِلَّهِ تَعَالَى صَغِيرَةٌ فَإِنَّهُ لَا يُعَزَّرُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَقَدْ جَهِلَ أَكْثَرُ النَّاسِ فَزَعَمُوا أَنَّ الْوِلَايَةَ تَسْقُطُ بِالصَّغِيرَةِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ حَدِيثُ ‏{‏أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إلَّا الْحُدُودَ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ‏:‏ وَالْمُرَادُ بِذَوِي الْهَيْئَاتِ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُونَ بِالشَّرِّ فَيَزِلُّ أَحَدُهُمْ الزَّلَّةُ، وَلَمْ يُعَلِّقْهُ بِالْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَدْ عَزَّرَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ مَشَاهِيرِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَهُمْ رُءُوسُ الْأَوْلِيَاءِ وَسَادَةُ الْأُمَّةِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ تَكَرَّرَ مِنْهُمْ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي أَوَّلِ زَلَّةٍ زَلَّهَا مُطِيعٌ‏.‏ الثَّانِيَة‏:‏ إذَا قَطَعَ شَخْصٌ أَطْرَافَ نَفْسِهِ‏.‏ الثَّالِثَةُ إذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ أَوَأَمَته فِي دُبُرِهَا فَلَا يُعَزَّرُ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ، بَلْ يُنْهَى عَنْ الْعَوْدِ، فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ‏.‏ الرَّابِعَةُ‏:‏ الْأَصْلُ لَا يُعَزَّرُ لِحَقِّ الْفَرْعِ كَمَا لَا يُحَدُّ بِقَذْفِهِ‏.‏ الْخَامِسَةُ‏:‏ إذَا رَأَى مَنْ يَزْنِي بِزَوْجَتِهِ وَهُوَ مُحْصَنٌ فَقَتَلَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَا تَعْزِيرَ عَلَيْهِ وَإِنْ افْتَاتَ عَلَى الْإِمَامِ لِأَجْلِ الْحَمِيَّةِ، حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ أَبِي دَاوُد‏.‏ السَّادِسَةُ‏:‏ إذَا دَخَلَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْقُوَى إلَى الْحِمَى الَّذِي حَمَاهُ الْإِمَامُ لِلضِّعْفَةِ وَنَحْوِهِمْ فَرَعَى مِنْهُمْ لَا تَعْزِيرَ عَلَيْهِ وَلَا غُرْمَ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا وَآثِمًا، لَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ الرَّعْيِ، كَذَا نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ هُنَاكَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ وَأَقَرَّهُ‏.‏ السَّابِعَةُ‏:‏ إذَا ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ لَا يُعَزَّرُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ‏.‏ الثَّامِنَةُ‏:‏ إذَا كَلَّفَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ مَا لَا يُطِيقُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَا يُعَزَّرُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ لَا تَعُدْ، فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ اللِّعَانِ‏.‏ التَّاسِعَةُ‏:‏ إذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ نَفَقَتَهَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ‏:‏ الَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الزَّوْجَ إنْ قَدَرَ عَلَى إجَابَتِهَا فَهُوَ حَتْمٌ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ‏.‏ وَإِنْ كَانَ لَا يُحْبَسُ وَلَا يُوَكَّلُ بِهِ، وَلَكِنْ يَعْصِي بِمَنْعِهِ، الْعَاشِرَةُ‏:‏ إذَا عَرَّضَ أَهْلُ الْبَغْيِ بِسَبِّ الْإِمَامِ لَمْ يُعَزَّرُوا عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ‏.‏ الْأَمْرُ الثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ مَتَى كَانَ فِي الْمَعْصِيَةِ حَدٌّ كَالزِّنَا، أَوْ كَفَّارَةٌ كَالتَّمَتُّعِ بِطِيبٍ فِي الْإِحْرَامِ يَنْتَفِي التَّعْزِيرُ لِإِيجَابِ الْأَوَّلِ لِلْحَدِّ وَالثَّانِي لِلْكَفَّارَةِ‏.‏ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسَائِلُ‏.‏ الْأُولَى‏:‏ إفْسَادُ الصَّائِمِ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ مَعَ الْكَفَّارَةِ‏.‏ الثَّانِيَة‏:‏ الْمُظَاهِرُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ مَعَ الْكَفَّارَةِ‏.‏ الثَّالِثَةُ‏:‏ إذَا قَتَلَ مَنْ لَا يُقَادُ بِهِ كَوَلَدِهِ وَعَبْدِهِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ نَعَمْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ لَيْسَ لِلْمَعْصِيَةِ، بَلْ لِإِعْدَامِ النَّفْسِ بِدَلِيلِ إيجَابِهَا بِقَتْلِ الْخَطَأِ، فَلَمَّا بَقِيَ التَّعَمُّدَ خَالِيًا عَنْ الزَّجْرِ أَوْجَبْنَا فِيهِ التَّعْزِيرَ‏.‏ الرَّابِعَةُ‏:‏ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ يَجِبُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ وَالتَّعْزِيرُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُهَذَّبِ الْخَامِسَةُ‏:‏ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فِي شُرْبِ الْمُسْكِرِ إلَى الثَّمَانِينَ تَعْزِيرَاتٌ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ‏.‏ السَّادِسَةُ‏:‏ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي الْقَوَاعِدِ الصُّغْرَى أَنَّهُ لَوْ زَنَى بِأُمِّهِ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ مُعْتَكِفٌ مُحْرِمٌ لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَالْبَدَنَةُ، وَيُحَدُّ لِلزِّنَا، وَيُعَزَّرُ لِقَطْعِ رَحِمَهُ، وَانْتِهَاكِ حُرْمَةِ الْكَعْبَةِ‏.‏ السَّابِعَةُ‏:‏ مَا ذَكَرَهُ الْفُورَانِيُّ أَنَّ السَّارِقَ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ يُعَزَّرُ‏.‏ قَالَ فِي الذَّخَائِرِ‏:‏ إنْ أَرَادَ بِهِ تَعْلِيقَ يَدِهِ فِي عُنُقِهِ فَحَسَنٌ، أَوْ غَيْرَهُ فَمُنْفَرِدٌ بِهِ، وَتَعْلِيقُ يَدِهِ فِي عُنُقِهِ ضَرْبٌ مِنْ النَّكَالِ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مِنْ الْحَدِّ قَطْعًا إذْ لَمْ يَقُلْ بِوُجُوبِهِ أَحَدٌ‏.‏ الْأَمْرُ الثَّالِثُ‏:‏ أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسَائِلُ‏.‏ الْأَوَّلُ‏:‏ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ يُعَزَّرَانِ إذَا فَعَلَا مَا يُعَزَّرُ عَلَيْهِ الْبَالِغُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُمَا مَعْصِيَةً، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الصَّبِيِّ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْمَجْنُونِ‏.‏ الثَّانِيَة‏.‏ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ يَمْنَعُ الْمُحْتَسِبُ مَنْ يَكْتَسِبُ بِاللَّهْوِ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ الْآخِذُ وَالْمُعْطِيَ، وَظَاهِرُهُ تَنَاوُلُ اللَّهْوِ الْمُبَاحِ‏.‏ ثَالِثُهَا نَفْيُ الْمُخَنَّثِ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَإِنَّمَا فُعِلَ لِلْمَصْلَحَةِ‏.‏

المتن‏:‏

بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ صَفْعٍ أَوْ تَوْبِيخٍ، وَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ، وَقِيلَ إنْ تَعَلَّقَ بِآدَمِيٍّ لَمْ يَكْفِ تَوْبِيخٌ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

، وَتَعْلِيقُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ سَابِقًا يُعَزَّرُ قَوْلَهُ هُنَا ‏(‏بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ صَفْعٍ‏)‏ وَهُوَ الضَّرْبُ بِجَمْعِ الْكَفِّ ‏(‏أَوْ تَوْبِيخٍ‏)‏ بِاللِّسَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفِيدُ الرَّدْعَ وَالزَّجْرَ عَنْ الْجَرِيمَةِ، وَالْمُرَادُ بِالضَّرْبِ غَيْرُ الْمُبَرِّحِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ التَّأْدِيبَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ فَعَنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِعْلُ الْمُبَرِّحِ وَلَا غَيْرِهِ‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ بِضَرْبِهِ غَيْرَ مُبَرِّحٍ إقَامَةً لِصُورَةِ الْوَاجِبِ‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ وَهُوَ ظَاهِرٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ وَلَا بَيْنَ نَوْعَيْنِ مِنْهَا، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّ لَهُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَبْسِ وَالضَّرْبِ، وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْحَبْسِ مُدَّةٌ، وَلَيْسَ مُرَادًا أَيْضًا، بَلْ شَرْطُهُ النَّقْصُ عَنْ سَنَةٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَصَرَّحَ بِهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا الْحَصْرُ فِيمَا ذَكَرَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا أَيْضًا، فَإِنَّ مِنْ أَنْوَاعِ التَّعْزِيرِ النَّفْيَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ حَدِّ الزِّنَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ نَفْيُ الْمُخَنَّثِينَ، وَمِنْهُ كَشْفُ الرَّأْسِ وَالْقِيَامُ مِنْ الْمَجْلِسِ وَالْإِعْرَاضُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ‏(‏وَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ شَرْعًا مُوكَلٌ إلَى رَأْيِهِ يَجْتَهِدُ فِي سُلُوكِ الْأَصْلَحِ لِاخْتِلَافِ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ مَرَاتِبِ النَّاسِ وَبِاخْتِلَافِ الْمَعَاصِي فَلَهُ أَنْ يُشْهِرَ فِي النَّاسِ مَا أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ، وَيَجُوزُ لَهُ حَلْقُ رَأْسِهِ دُونَ لِحْيَتِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُصْلَبَ حَيًّا، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَلَا مِنْ الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ، وَيُصَلِّي يَوْمِيًّا وَيُعِيدُ إذَا أَرْسَلَ، وَلَا يُجَاوِزُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ا هـ‏.‏

وَاعْتُرِضَ مَنْعُهُ مِنْ الصَّلَاةِ مُتَمَكِّنًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ، وَفِي جَوَازِ تَسْوِيدِ وَجْهِهِ وَجْهَانِ‏.‏ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ إنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى الْجَوَازِ، وَلَهُ إرْكَابُهُ الدَّابَّةَ مَنْكُوسًا، وَعَلَى الْإِمَامِ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ وَالتَّدْرِيجِ اللَّائِقِ بِالْحَالِ فِي الْقَدْرِ وَالنَّوْعِ كَمَا يُرَاعِيهِ فِي دَفْعِ الصَّائِلِ، فَلَا يَرْقَى إلَى مَرْتَبَةٍ وَهُوَ يَرَى مَا دُونَهَا كَافِيًا مُؤَثِّرًا كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَإِنْ أَوْهَمَ عَطْفُ الْمُصَنِّفِ بِأَوْ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّخْيِيرِ خِلَافَهُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِيهِ إلَّا الْإِمَامُ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْهُ مَسَائِلُ‏.‏ الْأُولَى‏:‏ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ضَرْبُ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ زَجْرًا لَهُمَا عَنْ سَيِّئِ الْأَخْلَاقِ وَإِصْلَاحًا لَهُمَا‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَمِثْلُهُمَا السَّفِيهُ، وَعِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ‏:‏ وَلَيْسَ لِلْأَبِ تَعْزِيرُ الْبَالِغِ وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَتَبِعَهُ ابْنُ شُهْبَةَ‏.‏ الثَّانِيَة لِلْمُعَلِّمِ أَنْ يُؤَدِّبَ مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ، لَكِنْ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ الْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ مُطَّرِدٌ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ‏.‏ الثَّالِثَةُ لِلزَّوْجِ ضَرْبُ زَوْجَتِهِ لِنُشُوزِهَا وَلِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ حُقُوقِهِ عَلَيْهَا لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ أَوَّلَ الْبَابِ، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ضَرْبُهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَفْتَى ابْنُ الْبَرَزِيِّ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَمْرُ زَوْجَتِهِ بِالصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَرْبُهَا عَلَى ذَلِكَ‏.‏ وَأَمَّا أَمْرُهُ لَهَا بِالصَّلَاةِ فَمُسَلَّمٌ‏.‏ الرَّابِعَةُ لِلسَّيِّدِ ضَرْبُ رَقِيقِهِ لِحَقِّ نَفْسِهِ كَمَا فِي الزَّوْجِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ سَلْطَنَتَهُ أَقْوَى، وَكَذَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا مَرَّ فِي الزِّنَا، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسَائِلُ الْمُسْتَثْنَاةُ تَعْزِيرًا، وَقِيلَ إنَّمَا يُسَمَّى مَا عَدَا ضَرْبَ الْإِمَامِ وَنَائِبِهِ تَأْدِيبًا لَا تَعْزِيرًا، وَعَلَى هَذَا لَا اسْتِثْنَاءَ ‏(‏وَقِيلَ إنْ تَعَلَّقَ‏)‏ التَّعْزِيرُ ‏(‏بِآدَمِيٍّ لَمْ يَكْفِ‏)‏ فِيهِ ‏(‏تَوْبِيخٌ‏)‏ لِتَأَكُّدِ حَقِّ الْآدَمِيِّ، وَالْأَصَحُّ الِاكْتِفَاءُ كَمَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏

المتن‏:‏

فَإِنْ جَلَدَ وَجَبَ أَنْ يَنْقُصَ فِي عَبْدٍ عَنْ عَشْرٍ جَلْدَةً وَحُرٍّ عَنْ أَرْبَعِينَ، وَقِيلَ عِشْرِينَ، وَيَسْتَوِي فِي هَذَا جَمِيعُ الْمَعَاصِي فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ قَدْرِ التَّعْزِيرِ بِقَوْلِهِ ‏(‏فَإِنْ جَلَدَ‏)‏ الْإِمَامُ ‏(‏وَجَبَ أَنْ يَنْقُصَ فِي عَبْدٍ عَنْ عِشْرِينَ جَلْدَةً وَ‏)‏ فِي ‏(‏حُرٍّ عَنْ أَرْبَعِينَ‏)‏ جَلْدَةً أَدْنَى حُدُودِهِمَا، لِخَبَرِ ‏{‏مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ‏}‏ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ‏:‏ الْمَحْفُوظُ إرْسَالُهُ، وَكَمَا يَجِبُ نَقْصُ الْحُكُومَةِ عَنْ الدِّيَةِ وَالرَّضْخِ عَنْ السَّهْمِ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ يَجِبُ أَنْ يُنْقِصَ فِي تَعْزِيرِ الْحُرِّ عَنْ ‏(‏عِشْرِينَ‏)‏ جَلْدَةً لِأَنَّهَا حَدُّ الْعَبْدِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمَنْعِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَقِيلَ لَا يُزَادُ فِي تَعْزِيرِهِمَا عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ لِحَدِيثِ ‏{‏لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى‏}‏ وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ‏:‏ إنَّهُ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ فِي اتِّبَاعِ الْخَبَرِ، وَقَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ‏:‏ لَوْ بَلَغَ الشَّافِعِيَّ لَقَالَ بِهِ‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِعَمَلِ الصَّحَابَةِ عَلَى خِلَافِهِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ‏.‏ قَالَ الْقُونَوِيُّ‏:‏ وَحَمْلُهُ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَمَلِ بِخِلَافِهِ أَهْوَنُ مِنْ النَّسْخِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

أَهْلُ بَدْرٍ إذَا عَمِلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ ذَنْبًا يَقْتَضِي حَدًّا أَوْ غَيْرَهُ أُقِيمَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُمْ، فَقِيلَ‏:‏ مَعْنَاهُ مَغْفُورٌ لَهُمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ‏.‏ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ‏:‏ الْمُرَادُ الْمَاضِي لَا الْمُسْتَقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْمُسْتَقْبَلِ لَكَانَ إطْلَاقًا فِي الذُّنُوبِ، وَلَا وَجْهَ لَهُ ‏{‏وَقَدْ حَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُعَيْمَانَ فِي الْخَمْرِ،‏}‏ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ فِيهِ أَيْضًا، وَكَانَا بَدْرِيَّيْنِ، وَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِسْطَحًا الْحَدَّ، وَكَانَ بَدْرِيًّا ‏(‏وَيَسْتَوِي فِي هَذَا‏)‏ الْمَذْكُورِ ‏(‏جَمِيعُ الْمَعَاصِي‏)‏ السَّابِقَةُ‏:‏ أَيْ‏:‏ مَعْصِيَةُ الشُّرْبِ وَغَيْرِهِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ فَيَلْحَقُ مَا هُوَ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْحُدُودِ بِمَا لَيْسَ مِنْهَا، إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى التَّفْرِقَةِ، وَالثَّانِي لَا بَلْ يُقَاسُ كُلُّ مَعْصِيَةٍ بِمَا يُنَاسِبُهَا مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ عَفَا مُسْتَحِقُّ حَدٍّ فَلَا تَعْزِيرَ لِلْإِمَامِ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ تَعْزِيرٍ فَلَهُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ عَفَا مُسْتَحِقُّ حَدٍّ‏)‏ عَنْهُ كَحَدِّ قَذْفٍ ‏(‏فَلَا تَعْزِيرَ لِلْإِمَامِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِأَنَّهُ لَازِمٌ مُقَدَّرٌ لَا نَظَرَ لِلْإِمَامِ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ مَضْبُوطٌ فَجَازَ إسْقَاطُهُ وَالْإِبْرَاءُ عَنْهُ‏.‏ وَالثَّانِي لَهُ التَّعْزِيرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ‏(‏أَوْ‏)‏ عَفَا مُسْتَحِقُّ ‏(‏تَعْزِيرٍ فَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْإِمَامِ التَّعْزِيرُ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ لَا يُعَزِّرُ بِدُونِ عَفْوٍ قَبْلَ مُطَالَبَةِ الْمُسْتَحِقِّ لَهُ؛ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ أَصْلُهُ يَتَعَلَّقُ بِنَظَرِ الْإِمَامِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ إسْقَاطُ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ التَّعْزِيرَ غَيْرُ مَضْبُوطٍ، لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِأَنْوَاعٍ شَتَّى مِنْ ضَرْبٍ وَصَفْعٍ وَتَوْبِيخٍ وَحَبْسٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَيَحْصُلُ بِقَلِيلِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَكَثِيرِهَا، وَمُسْتَحِقُّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ نَوْعًا مُعَيَّنًا مِنْ أَنْوَاعِ التَّعَازِيرِ وَلَا مِقْدَارًا مُعَيَّنًا بَلْ اسْتَحَقَّ مَجْهُولًا وَالْإِبْرَاءُ مِنْ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ‏.‏ وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ قَدْ أَسْقَطَهُ‏.‏

خَاتِمَةٌ‏:‏

لِلْإِمَامِ تَرْكُ تَعْزِيرٍ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِإِعْرَاضِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جَمَاعَةٍ اسْتَحَقُّوهُ كَالْغَالِّ فِي الْغَنِيمَةِ وَلَاوِي شِدْقَهُ فِي حُكْمِهِ لِلزُّبَيْرِ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إنْ كَانَ لِآدَمِيٍّ عِنْدَ طَلَبِهِ كَالْقِصَاصِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَمُخْتَصَرُهُ خِلَافًا لِمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي مِنْ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَيُعَزَّرُ مَنْ وَافَقَ الْكُفَّارَ فِي أَعْيَادِهِمْ، وَمَنْ يُمْسِكُ الْحَيَّةَ وَيَدْخُلُ النَّارَ، وَمَنْ قَالَ لِذِمِّيٍّ يَا حَاجُّ، وَمَنْ هَنَّأَهُ بِعِيدِهِ، وَمَنْ سَمَّى زَائِرَ قُبُورِ الصَّالِحِينَ حَاجًّا، وَالسَّاعِي بِالنَّمِيمَةِ لِكَثْرَةِ إفْسَادِهَا بَيْنَ النَّاسِ‏.‏ قَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ‏:‏ يُفْسِدُ النَّمَّامُ فِي سَاعَةٍ مَا لَا يُفْسِدُهُ السَّاحِرُ فِي السَّنَةِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الْعَفْوُ عَنْ الْحَدِّ، وَلَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏لَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفِّعَ‏}‏ وَفِي الْبَيْهَقِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ صَادَّ اللَّهَ فِي حُكْمِهِ‏}‏ وَتُسَنُّ الشَّفَاعَةُ الْحَسَنَةُ إلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ مِنْ أَصْحَابِ الْحُقُوقِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي حَدٍّ أَوْ أَمْرٍ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ كَالشَّفَاعَةِ إلَى نَاظِرِ يَتِيمٍ أَوْ وَقْفٍ فِي تَرْكِ بَعْضِ الْحُقُوقِ الَّتِي فِي وِلَايَتِهِ، فَهَذِهِ شَفَاعَةُ سُوءٍ مُحَرَّمَةٌ، وَاسْتُدِلَّ لِلشَّفَاعَةِ الْحَسَنَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً‏}‏ الْآيَةَ، وَبِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ‏{‏كَانَ إذَا أَتَاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَى جُلَسَائِهِ، وَقَالَ‏:‏ اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ‏}‏‏.‏

كِتَابُ الصِّيَالِ

المتن‏:‏

وَضَمَانِ الْوُلَاةِ لَهُ دَفْعُ كُلِّ صَائِلٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ أَوْ بُضْعٍ أَوْ مَالٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

كِتَابُ الصِّيَالِ هُوَ وَالْمُصَاوَلَةُ‏:‏ الِاسْتِطَالَةُ وَالْوُثُوبُ، وَالصَّائِلُ الظَّالِمُ ‏(‏وَضَمَانِ الْوُلَاةِ‏)‏ وَأَدْرَجَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ حُكْمَ الْخِتَانِ وَإِتْلَافِ الْبَهَائِمِ، وَعَقَدَ فِي الرَّوْضَةِ لِإِتْلَافِ الْبَهَائِمِ بَابًا، وَذَكَرَ حُكْمَ الْخِتَانِ فِي بَابِ ضَمَانِ إتْلَافِ الْإِمَامِ‏.‏ وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ‏}‏ وَافْتَتَحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ بِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ ‏{‏اُنْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا‏}‏ وَالصَّائِلُ ظَالِمٌ فَيُمْنَعُ مِنْ ظُلْمِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ‏.‏ ‏(‏لَهُ‏)‏ أَيْ الْمَصُولِ عَلَيْهِ ‏(‏دَفْعُ كُلِّ صَائِلٍ‏)‏ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، عَاقِلًا أَوْ مَجْنُونًا، بَالِغًا أَوْ صَغِيرًا، قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا، آدَمِيًّا أَوْ غَيْرَهُ ‏(‏عَلَى‏)‏ مَعْصُومٍ مِنْ ‏(‏نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ‏)‏ أَوْ مَنْفَعَةٍ ‏(‏أَوْ بُضْعٍ أَوْ مَالٍ‏)‏ لِخَبَرِ ‏{‏مَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَهُ شَهِيدًا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَهُ الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ‏:‏ كَمَا أَنَّ مَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ لَمَّا كَانَ شَهِيدًا كَانَ لَهُ الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

فِي مَعْنَى الْبُضْعِ مَنْ قَصَدَ الِاسْتِمْتَاعَ بِأَهْلِهِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ كَالْقُبْلَةِ، وَأَلْحَقَ الرُّويَانِيُّ الْأُخْتَ وَالْبِنْتَ بِالزَّوْجَةِ، وَشَمَلَ قَوْلُهُ أَوْ مَالُ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ كَدِرْهَمٍ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ كَيْفَ يَكُونُ الْمُقَدَّرُ فِي السَّرِقَةِ أَكْثَرَ وَمَا فِيهِ سِوَى قَطْعِ الطَّرَفِ، وَقَدْ يُؤَدِّي الدَّفْعُ إلَى هَلَاكِ النَّفْسِ وَهُوَ أَعْظَمُ وَالْمَالُ فِيهِ قَلِيلٌ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ قَطْعَ الطَّرَفِ مُحَقَّقٌ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ ذَلِكَ بِخِلَافِ هَلَاكِ النَّفْسِ وَمَالِ نَفْسِهِ وَمَالِ غَيْرِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ جَوَازِ الدَّفْعِ عَنْ الْمَالِ مَا لَوْ صَالَ مُكْرَهًا عَلَى إتْلَافِ مَالِ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ دَفْعُهُ، بَلْ يَلْزَمُ الْمَالِكَ أَنْ يَقِيَ رُوحَهُ بِمَالِهِ كَمَا يُنَاوِلُ الْمُضْطَرُّ طَعَامَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ الدِّيَاتِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا دَفْعُ الْمُكْرَهِ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْمَالِ قَدْ يُخْرِجُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالْكَلْبِ الْمُقْتَنَى وَالسِّرْجِينِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرِهِ إلْحَاقُهُ بِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَلَهُ دَفْعُ مُسْلِمٍ عَنْ ذِمِّيٍّ وَوَالِدٍ عَنْ وَلَدِهِ وَسَيِّدٍ عَنْ عَبْدِهِ لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ‏.‏ ، وَلَوْ صَالَ قَوْمٌ عَلَى النَّفْسِ وَالْبُضْعِ وَالْمَالِ قُدِّمَ الدَّفْعُ عَنْ النَّفْسِ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ الْبُضْعِ وَالْمَالِ، وَالدَّفْعُ عَنْ الْبُضْعِ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ الْمَالِ، وَالْمَالُ الْكَثِيرُ عَلَى الْحَقِيرِ، وَلَوْ صَالَ اثْنَانِ عَلَى مُتَسَاوِيَيْنِ فِي نَفْسَيْنِ أَوْ بُضْعَيْنِ أَوْ مَالَيْنِ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ دَفْعُهُمَا مَعًا دَفَعَ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَلَوْ صَالَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَبِيٍّ بِاللِّوَاطِ، وَالْآخَرُ عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا فَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ‏.‏ أَحَدُهُمَا يُبْدَأُ بِصَاحِبِ الزِّنَا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ فِيهِ‏.‏ وَالثَّانِي بِصَاحِبِ اللِّوَاطِ، إذْ لَيْسَ إلَى حِلِّهِ سَبِيلٌ‏.‏ وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ يَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَهُوَ أَوْجَهُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ‏.‏

المتن‏:‏

فَإِنْ قَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَإِنْ قَتَلَهُ‏)‏ أَيْ الْمُصَوَّلُ عَلَيْهِ الصَّائِلَ دَفْعًا ‏(‏فَلَا ضَمَانَ‏)‏ بِقِصَاصٍ وَلَا دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ وَلَا قِيمَةٍ وَلَا إثْمٍ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِهِ، وَفِي الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ وَالضَّمَانِ مُنَافَاةٌ، حَتَّى لَوْ صَالَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ أَوْ الْمُسْتَعَارُ عَلَى مَالِكِهِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا لَمْ يَبْرَأْ الْغَاصِبُ وَلَا الْمُسْتَعِيرُ‏:‏ وَيُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ الْمُضْطَرُّ إذَا قَتَلَهُ صَاحِبُ الطَّعَامِ دَفْعًا فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَوَدَ‏.‏ قَالَ الدَّبِيلِيُّ‏:‏ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

دَخَلَ فِي كَلَامِهِمْ مَا لَوْ صَالَتْ حَامِلٌ عَلَى إنْسَانٍ فَدَفَعَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا مَيِّتًا فَالْأَصَحُّ لَا يَضْمَنُهُ، وَقَاسَهُ الْقَاضِي عَلَى مَا إذَا تَتَرَّسَ الْكُفَّارُ حَالَ الْقِتَالِ بِمُسْلِمٍ، وَاضْطُرَّ الْمُسْلِمُونَ إلَى قَتْلِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ مَالٍ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ مَالٍ‏)‏ لَا رُوحَ فِيهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إبَاحَتُهُ لِلْغَيْرِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي الْآحَادِ‏.‏ فَأَمَّا الْإِمَامُ وَنُوَّابُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الدَّفْعُ عَنْ أَمْوَالِ رَعَايَاهُمْ، وَكَذَا إنْ كَانَ مَالَهُ وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَرَهْنٍ وَإِجَارَةٍ‏.‏ قَالَ الْغَزَالِيُّ‏:‏ وَإِنْ كَانَ مَالَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَوْ وَقْفٍ أَوْ مَالًا مُودَعًا وَجَبَ عَلَى مَنْ هُوَ بِيَدِهِ الدَّفْعُ عَنْهُ ا هـ‏.‏

أَمَّا مَا فِيهِ رُوحٌ فَيَجِبُ الدَّفْعُ عَنْهُ إذَا قُصِدَ إتْلَافُهُ مَا لَمْ يَخْشَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ بُضْعٌ لِحُرْمَةِ الرُّوحُ حَتَّى لَوْ رَأَى أَجْنَبِيٌّ شَخْصًا يُتْلِفُ حَيَوَانَ نَفْسِهِ إتْلَافًا مُحَرَّمًا وَجَبَ عَلَيْهِ دَفْعُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَجِبُ عَنْ بُضْعٍ، وَكَذَا نَفْسٍ قَصَدَهَا كَافِرٌ، أَوْ بَهِيمَةٌ، لَا مُسْلِمٌ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَجِبُ‏)‏ الدَّفْعُ ‏(‏عَنْ بُضْعٍ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى إبَاحَتِهِ، وَسَوَاءٌ بُضْعُ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرُهُ، وَمِثْلُ الْبُضْعِ مُقَدِّمَاتُهُ وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي ‏(‏وَكَذَا نَفْسٍ‏)‏ لِلشَّخْصِ يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْهَا إذَا ‏(‏قَصَدَهَا كَافِرٌ‏)‏ وَلَوْ مَعْصُومًا، إذْ غَيْرُ الْمَعْصُومِ لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَالْمَعْصُومُ بَطَلَتْ حُرْمَتُهُ بِصِيَالِهِ، وَلِأَنَّ الِاسْتِسْلَامَ لِلْكَافِرِ ذُلٌّ فِي الدِّينِ، وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْعِلَّةِ جَوَازُ اسْتِسْلَامِ الْكَافِرِ لِلْكَافِرِ وَبَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ مَنْعِ جَوَازِ اسْتِسْلَامِ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ إذَا لَمْ يُجَوَّزْ الْأَسْرُ، فَإِنْ جَوَّزَهُ لَمْ يَحْرُمْ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي السِّيَرِ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَصَدَهَا ‏(‏بَهِيمَةٌ‏)‏ لِأَنَّهَا تُذْبَحُ لِاسْتِبْقَاءِ الْآدَمِيِّ، فَلَا وَجْهَ لِلِاسْتِسْلَامِ لَهَا، وَظَاهِرٌ أَنَّ عُضْوَهُ وَمَنْفَعَتَهُ كَنَفْسِهِ ‏(‏لَا‏)‏ إنْ قَصَدَهَا ‏(‏مُسْلِمٌ‏)‏ وَلَوْ مَجْنُونًا وَمُرَاهِقًا أَوْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِغَيْرِ قَتْلِهِ فَلَا يَجِبُ دَفْعُهُ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ بَلْ يَجُوزُ الِاسْتِسْلَامُ لَهُ، بَلْ يُسَنُّ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد ‏{‏كُنْ خَيْرَ ابْنَيْ آدَمَ‏}‏ يَعْنِي قَابِيلَ وَهَابِيلَ، وَلِمَنْعِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَبِيدَهُ وَكَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ يَوْمَ الدَّارِ، وَقَالَ‏:‏ مَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ حُرٌّ، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ‏.‏ وَالثَّانِي يَجِبُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ‏}‏ وَكَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إصَانَةُ نَفْسِهِ بِأَكْلِ مَا يَجِدُهُ‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ فِي الْقَتْلِ شَهَادَةً بِخِلَافِ تَرْكِ الْأَكْلِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ ذَلِكَ فِي الْمَحْقُونِ الدَّمُ كَمَا قَيَّدَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ‏:‏ لِيَخْرُجَ الْمُهْدَرُ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ وَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَمَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ، فَإِنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الْكَافِرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَيَظْهَرُ الدَّفْعُ عَنْ الْعُضْوِ عِنْدَ ظَنِّ السَّلَامَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا شَهَادَةٌ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَنْ النَّفْسِ إذَا أَمْكَنَ عِنْدَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِقَتْلِهِ مَفَاسِدُ فِي الْحَرِيمِ وَالْأَطْفَالِ ا هـ وَهُوَ بَحْثٌ حَسَنٌ‏.‏

المتن‏:‏

وَالدَّفْعُ عَنْ غَيْرِهِ كَهُوَ عَنْ نَفْسِهِ، وَقِيلَ يَجِبُ قَطْعًا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَالدَّفْعُ عَنْ‏)‏ نَفْسِ ‏(‏غَيْرِهِ‏)‏ إذَا كَانَ آدَمِيًّا مُحْتَرَمًا وَلَوْ رَقِيقًا ‏(‏كَهُوَ عَنْ نَفْسِهِ‏)‏ فَيَجِبُ حَيْثُ يَجِبُ وَيَنْتَفِي حَيْثُ يَنْتَفِي، إذْ لَا يَزِيدُ حَقُّ غَيْرِهِ عَلَى حَقِّ نَفْسِهِ، وَقَدْ أَكْثَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَتْنِ مِنْ جَرِّ ضَمِيرِ الْغَائِبِ بِالْكَافِ وَهُوَ قَلِيلٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْوُجُوبِ إذَا أُمِنَ الْهَلَاكُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، إذْ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ رُوحَهُ بَدَلًا عَنْ رُوحِ غَيْرِهِ وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ نَعَمْ إنْ كَانَ فِي قِتَالِ الْحَرْبِيِّينَ أَوْ الْمُرْتَدِّينَ فَلَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ بِالْخَوْفِ ظَاهِرٌ، إذَا كَانَ فِي الصَّفِّ وَكَانُوا مِثْلَيْهِ فَأَقَلَّ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يَلْزَمُ الْعَبْدَ الدَّفْعُ عَنْ سَيِّدِهِ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ، بَلْ السَّيِّدُ فِي ذَلِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ، حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الِابْنَ الدَّفْعُ عَنْ أَبِيهِ أَيْضًا‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ‏:‏ أَيْ‏:‏ لِوُضُوحِهِ‏.‏ أَمَّا لَوْ صَالَ شَخْصٌ عَلَى غَيْرِ مُحْتَرَمٍ حَرْبِيٍّ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ دَفْعُهُ عَنْهُ، وَإِنْ وَجَبَ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ ‏(‏وَقِيلَ يَجِبُ‏)‏ الدَّفْعُ عَنْ غَيْرِهِ ‏(‏قَطْعًا‏)‏ لِأَنَّ لَهُ الْإِيثَارَ بِحَقِّ نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ ‏{‏مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُسْلِمٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ وَهُوَ قَادِرٌ أَنْ يَنْصُرَهُ أَذَلَّهُ اللَّهُ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏}‏‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآحَادِ‏.‏ أَمَّا الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْوُلَاةِ فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ قَطْعًا، وَقَضِيَّةُ الْوُجُوبِ أَوْ الْجَوَازِ عَدَمُ الضَّمَانِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ‏:‏ مَنْ قَتَلَ غَيْرَهُ دَفْعًا عَنْ مَالِ غَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا كَانَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ غَيْرَ نَبِيٍّ، أَمَّا هُوَ فَيَجِبُ الدَّفْعُ عَنْهُ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ‏.‏ قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ وَلَا يَخْتَصُّ الْخِلَافُ بِالصَّائِلِ، بَلْ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى مُحَرَّمٍ مِنْ شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلِبَعْضِ الْآحَادِ مَنْعُهُ، وَلَوْ أَتَى عَلَى النَّفْسِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ إنَّهُ الْمَوْجُودُ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ حَتَّى قَالُوا‏:‏ لَوْ ظَهَرَ فِي بَيْتٍ خَمْرٌ يُشْرَبُ أَوْ طُنْبُورٌ يُضْرَبُ أَوْ نَحْوُهُمَا، فَلَهُ الْهُجُومُ عَلَى مُتَعَاطِيهِ لِإِزَالَتِهِ نَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا فَلَهُ قِتَالُهُمْ، وَإِنْ أَتَى عَلَى النَّفْسِ وَهُوَ مُثَابٌ عَلَى ذَلِكَ، وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ عَبَّرُوا هُنَا بِالْوُجُوبِ وَلَا يُنَافِيهِ تَعْبِيرُ الْأَصْحَابِ بِالْجَوَازِ، إذْ لَيْسَ مُرَادُهُمْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ، بَلْ إنَّهُ جَائِزٌ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ قَبْلَ ارْتِكَابِ ذَلِكَ وَهُوَ صَادِقٌ بِالْوُجُوبِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّف أَنَّهُ لَا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ مَالِ الْغَيْرِ، لَكِنْ قَالَ الْغَزَالِيُّ‏:‏ مَهْمَا قَدَرَ عَلَى حِفْظِ مَالِ غَيْرِهِ مِنْ الضَّيَاعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنَالَهُ تَعَبٌ فِي بَدَنِهِ، أَوْ خُسْرَانٌ فِي مَالِهِ، أَوْ نُقْصَانٌ فِي جَاهِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَقَلُّ دَرَجَاتِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ، وَهُوَ أَوْلَى بِالْإِيجَابِ مِنْ رَدِّ السَّلَامِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَالَ الْإِنْسَانَ إذَا كَانَ يَضِيعُ بِظُلْمِ ظَالِمٍ وَكَانَ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا وَيَعْصِي بِتَرْكِهَا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ سَقَطَتْ جَرَّةٌ وَلَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ إلَّا بِكَسْرِهَا ضَمِنَهَا فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ سَقَطَتْ جَرَّةٌ‏)‏ مَثَلًا وَهِيَ بِفَتْحِ الْجِيمِ‏:‏ إنَاءٌ مِنْ فَخَّارٍ عَلَى إنْسَانٍ ‏(‏وَلَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ إلَّا بِكَسْرِهَا‏)‏ جَازَ لَهُ، بَلْ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ بِوُجُوبِهِ صِيَانَةً لِرُوحِهِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ الْجَوَازَ كَمَا مَرَّ، وَإِذَا كَسَرَهَا ‏(‏ضَمِنَهَا فِي الْأَصَحِّ‏)‏ إذْ لَا قَصْدَ لَهَا وَلَا اخْتِيَارَ حَتَّى يُحَالَ عَلَيْهَا، فَصَارَ كَالْمُضْطَرِّ إلَى طَعَامِ غَيْرِهِ يَأْكُلُهُ وَيَضْمَنُهُ، وَالثَّانِي لَا، لِأَنَّهُ دَافِعٌ لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ تَنْزِيلًا لَهَا مَنْزِلَةَ الْبَهِيمَةِ الصَّائِلَةِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْبَهِيمَةَ لَهَا نَوْعُ اخْتِيَارٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ أَنْ تَكُونَ مَوْضُوعَةً بِمَحَلِّ غَيْرِ عُدْوَانٍ، فَإِنْ كَانَتْ مَوْضُوعَةً بِمَحَلِّ عُدْوَانٍ كَأَنْ وُضِعَتْ بِرَوْشَنٍ، أَوْ عَلَى مُعْتَدِلٍ لَكِنَّهَا مَائِلَةٌ أَوْ عَلَى حَالَةٍ يَغْلِبُ فِيهَا سُقُوطُهَا لَمْ يَضْمَنْهَا قَطْعًا، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ لَكِنْ لَوْ أَبْدَلَ قَوْلَهُ‏:‏ عُدْوَانٍ بِيَضْمَنُ بِهِ كَانَ أَوْلَى، وَيَضْمَنُ بَهِيمَةً لَمْ يُمْكِنْ جَائِعًا وُصُولُهُ إلَى طَعَامِهِ إلَّا بِقَتْلِهَا وَقَتَلَهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَقْصِدْهُ وَقَتْلُهُ لَهَا لِدَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِهِ بِالْجُوعِ فَكَانَ كَأَكْلِ الْمُضْطَرِّ طَعَامَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْأَصَحُّ هُنَا نَفْيَ الضَّمَانِ، كَمَا لَوْ عَمَّ الْجَرَادُ الْمَسَالِكَ فَوَطِئَهَا الْمُحْرِمُ وَقَتَلَ بَعْضَهَا فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَقَّ ثَمَّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُنَا لِلْآدَمِيِّ‏.‏

المتن‏:‏

وَيُدْفَعُ الصَّائِلُ بِالْأَخَفِّ، فَإِنْ أَمْكَنَ بِكَلَامٍ وَاسْتِغَاثَةٍ حَرُمَ الضَّرْبُ، أَوْ بِضَرْبٍ بِيَدٍ حَرُمَ سَوْطٌ، أَوْ بِسَوْطٍ حَرُمَ عَصًا، أَوْ بِقَطْعِ عُضْوٍ حَرُمَ قَتْلٌ، فَإِنْ أَمْكَنَ هَرَبٌ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهُ، وَتَحْرِيمُ قِتَالٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ بَيَّنَ كَيْفِيَّةَ دَفْعِ الصَّائِلِ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَيُدْفَعُ الصَّائِلُ بِالْأَخَفِّ‏)‏ فَالْأَخَفِّ إنْ أَمْكَنَ، وَالْمُعْتَبَرُ غَلَبَةُ الظَّنِّ ‏(‏فَإِنْ أَمْكَنَ‏)‏ دَفْعُهُ ‏(‏بِكَلَامٍ وَاسْتِغَاثَةٍ‏)‏ بَغَيْنَ مُعْجَمَةٍ وَمُثَلَّثَةٍ بِالنَّاسِ ‏(‏حَرُمَ الضَّرْبُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الدَّفْعُ بِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَمْكَنَ دَفْعُهُ ‏(‏بِضَرْبٍ بِيَدٍ حَرُمَ سَوْطٌ، أَوْ‏)‏ أَمْكَنَ دَفْعُهُ ‏(‏بِسَوْطٍ حَرُمَ عَصًا، أَوْ‏)‏ أَمْكَنَ دَفْعُهُ ‏(‏بِقَطْعِ عُضْوٍ حَرُمَ قَتْلٌ‏)‏ لِأَنَّ ذَلِكَ جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْأَثْقَلِ مَعَ إمْكَانِ تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ بِالْأَسْهَلِ، وَلَوْ انْدَفَعَ شَرُّهُ كَأَنْ وَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ نَارٍ أَوْ انْكَسَرَتْ رِجْلَهُ، أَوْ حَالَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ أَوْ خَنْدَقٌ لَمْ يَضْرِبْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ‏.‏ وَفَائِدَةُ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ مَتَى خَالَفَ وَعَدَلَ إلَى رُتْبَةٍ مَعَ إمْكَانِ الِاكْتِفَاءِ بِمَا دُونَهَا ضَمِنَ‏.‏ وَيُسْتَثْنَى مِنْ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ مَسَائِلُ‏:‏ الْأُولَى‏:‏ لَوْ الْتَحَمَ الْقِتَالُ بَيْنَهُمَا وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ عَنْ الضَّبْطِ سَقَطَ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ‏.‏ الثَّانِيَةُ‏:‏ مَا سَيَأْتِي فِي النَّظَرِ إلَى الْحُرَمِ أَنَّهُ يَرْمِي بِالْحَصَاةِ قَبْلَ الْإِنْذَارِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ يَأْتِي‏.‏ الثَّالِثَةُ‏:‏ لَوْ كَانَ الصَّائِلُ يَنْدَفِعُ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْمَصُولُ عَلَيْهِ لَا يَجِدُ إلَّا السَّيْفَ فَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ الضَّرْبَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ إلَّا بِهِ، وَلَيْسَ بِمُقَصِّرٍ فِي تَرْكِ اسْتِصْحَابِ السَّوْطِ وَنَحْوِهِ‏.‏ الرَّابِعَةُ‏:‏ إذَا رَآهُ يُولِجُ فِي أَجْنَبِيَّةٍ فَلَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْقَتْلِ، وَإِنْ انْدَفَعَ بِدُونِهِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مُوَاقِعٌ لَا يُسْتَدْرَكُ بِالْأَنَاةِ كَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَهُوَ مَرْدُودٌ لِقَوْلِ الشَّيْخَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا‏:‏ إذَا وَجَدَ رَجُلًا يَزْنِي بِامْرَأَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا لَزِمَهُ مَنْعُهُ وَدَفْعُهُ، فَإِنْ هَلَكَ فِي الدَّفْعِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ انْدَفَعَ بِضَرْبٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ إنْ لَمْ يَكُنْ الزَّانِي مُحْصَنًا، فَإِنْ كَانَ فَلَا قِصَاصَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي الْجِنَايَاتِ ا هـ‏.‏

فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ ‏(‏فَإِنْ أَمْكَنَ‏)‏ الْمَصُولُ عَلَيْهِ ‏(‏هَرَبٌ‏)‏ أَوْ الْتِجَاءٌ لِحِصْنٍ أَوْ جَمَاعَةٍ ‏(‏فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهُ وَتَحْرِيمُ قِتَالٍ‏)‏ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَخْلِيصِ نَفْسِهِ بِالْأَهْوَنِ فَالْأَهْوَنِ وَمَا ذُكِرَ أَسْهَلُ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَعْدِلُ إلَى الْأَشَدِّ‏.‏ وَالثَّانِي لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ جَائِزَةٌ فَلَا يُكَلَّفُ الِانْصِرَافُ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي إنْ تَيَقَّنَ النَّجَاةَ بِهَرَبٍ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا حَمْلًا لِلنَّصَّيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ عَلَى هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ الْمَتْنِ أَنَّهُ لَوْ قَاتَلَ مَعَ إمْكَانِ الْهَرَبِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ الْمَنْعُ، فَإِنَّهُ قَالَ‏:‏ تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ ا هـ‏.‏

وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِمَا مَرَّ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمَتْنِ‏:‏ وُجُوبُ الْهَرَبِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ نَفْسَهُ أَوْ مَالَهُ أَوْ بُضْعَهُ، وَتَعْلِيلُ الرَّافِعِيِّ يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَلَا يَلْزَمُهُ الْهَرَبُ، وَيَدَعُ مَالَهُ إذَا كَانَ الصِّيَالُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ مَالِهِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْهَرَبُ‏.‏ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الْبُضْعَ فَقَضِيَّةُ الْبِنَاءِ عَلَى وُجُوبِ الدَّفْعِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْهَرَبُ، بَلْ يَثْبُتُ إنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ عُضَّتْ يَدُهُ خَلَّصَهَا بِالْأَسْهَلِ مِنْ فَكِّ لَحْيَيْهِ وَضَرْبِ شِدْقَيْهِ فَإِنْ عَجَزَ فَسَلَّهَا فَنَدَرَتْ أَسْنَانُهُ فَهَدَرٌ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ عُضَّتْ يَدُهُ‏)‏ أَوْ غَيْرُهَا ‏(‏خَلَّصَهَا بِالْأَسْهَلِ مِنْ فَكِّ لَحْيَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ رَفْعِ إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى بِلَا جَرْحٍ ‏(‏وَضَرْبِ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَوْ ضَرْبِ ‏(‏شِدْقَيْهِ‏)‏ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُمَا جَانِبَا الْفَمِ ‏(‏فَإِنْ عَجَزَ‏)‏ عَنْ الْأَسْهَلِ ‏(‏فَسَلَّهَا فَنَدَرَتْ‏)‏ بِنُونٍ‏:‏ أَيْ‏:‏ سَقَطَتْ ‏(‏أَسْنَانُهُ فَهَدَرٌ‏)‏ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ‏{‏أَنَّ رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ فَوَقَعَتْ ثَنَايَاهُ، فَاخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ يَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ لَا دِيَةَ لَكَ‏}‏ وَلِأَنَّ النَّفْسَ لَا تُضْمَنُ بِالدَّفْعِ فَالْأَجْزَاءُ أَوْلَى، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْعَاضُّ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا؛ لِأَنَّ الْعَضَّ لَا يُبَاحُ بِحَالٍ‏.‏ قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ‏:‏ إلَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ التَّخَلُّصَ إلَّا بِهِ فَهُوَ حَقٌّ لَهُ، نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ إنَّهُ صَحِيحٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَمْرَيْنِ‏:‏ الْأَوَّلُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ فَكِّ اللَّحْيِ وَالضَّرْبِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْفَكُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الضَّرْبِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ أَسَهْلُ‏.‏ وَالثَّانِي الْحَصْرُ فِيمَا ذُكِرَ، وَلَيْسَ مُرَادًا أَيْضًا، فَالصَّحِيحُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ التَّخَلُّصَ إلَّا بِبَعْجِ بَطْنِهِ، أَوْ فَقْءِ عَيْنِهِ، أَوْ عَصْرِ خُصْيَيْهِ جَازَ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فَلَوْ عَدَلَ عَنْ الْأَخَفِّ مَعَ إمْكَانِهِ ضَمِنَ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَإِطْلَاقُ كَثِيرِينَ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ سَلَّ يَدَهُ ابْتِدَاءً فَنَدَرَتْ أَسْنَانُهُ كَانَتْ مُهْدَرَةً وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ ا هـ‏.‏

وَلَا يَجِبُ قَبْلَ ذَلِكَ الْإِنْذَارُ بِالْقَوْلِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي إمْكَانِ التَّخَلُّصِ بِدُونِ مَا دَفَعَ بِهِ صُدِّقَ الدَّافِعُ بِيَمِينِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ‏:‏ وَلْيَكُنْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي الصَّائِلِ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

الْعَضُّ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ إذَا كَانَ بِجَارِحَةٍ، وَبِظَاءٍ مُعْجَمَةٍ إذَا كَانَ بِغَيْرِهَا‏:‏ نَحْوُ عَظَّتْ الْحَرْبُ وَعَظَّ الزَّمَانُ‏.‏ قَالَتْ عُتْبَةُ أُمُّ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ‏:‏ لَعَمْرِي لَقِدْمًا عَظَّنِي الدَّهْرُ عِظَةً فَيَا لَيْتَ أَنْ لَا أَمْنَعَ الدَّهْرَ جَائِعًا وَقُولَا لِعَذَا اللَّائِمِ الْيَوْمَ أَعْفِنِي فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَعَضَّ الْأَصَابُعَا‏.‏

المتن‏:‏

وَمَنْ نُظِرَ إلَى حُرَمِهِ فِي دَارِهِ مِنْ كَوَّةٍ أَوْ ثَقْبٍ عَمْدًا فَرَمَاهُ بِخَفِيفٍ كَحَصَاةٍ فَأَعْمَاهُ، أَوْ أَصَابَ قُرْبَ عَيْنِهِ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ فَهَدَرٌ، بِشَرْطِ عَدَمِ مَحْرَمٍ وَزَوْجَةٍ لِلنَّاظِرِ، قِيلَ وَاسْتِتَارِ الْحُرَمِ، قِيلَ‏:‏ وَإِنْذَارٍ قَبْلَ رَمْيِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَمَنْ نُظِرَ‏)‏ بِضَمِّ أَوَّلِهِ ‏(‏إلَى حُرَمِهِ‏)‏ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ الْمُهْمَلَيْنِ وَبِهَاءِ الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ لِمَنْ، وَالْمُرَادُ بِهِنَّ‏:‏ الزَّوْجَاتُ وَالْإِمَاءُ وَالْمَحَارِمُ ‏(‏فِي دَارِهِ‏)‏ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ بِمِلْكٍ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏مِنْ كَوَّةٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ طَاقَةٍ، وَمَرَّ فِي الصُّلْحِ أَنَّهَا بِفَتْحِ الْكَافِ، وَحُكِيَ ضَمُّهَا ‏(‏أَوْ ثَقْبٍ‏)‏ بِفَتْحٍ الْمُثَلَّثَةِ أَوَّلِهِ‏:‏ أَيْ‏:‏ خَرْقٌ فِي الدَّارِ، وَقَوْلُهُ ‏(‏عَمْدًا‏)‏ قَيْدٌ فِي النَّظَرِ ‏(‏فَرَمَاهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ رَمَى صَاحِبُ الدَّارِ مَنْ نَظَرَ إلَى حُرَمِهِ حَالَ نَظَرِهِ ‏(‏بِخَفِيفٍ‏)‏ تُقْصَدُ الْعَيْنُ بِمِثْلِهِ ‏(‏كَحَصَاةٍ فَأَعْمَاهُ، أَوْ‏)‏ لَمْ يُعْمِهِ، بَلْ ‏(‏أَصَابَ قُرْبَ عَيْنِهِ فَجَرَحَهُ‏)‏ فَسَرَى الْجَرْحُ ‏(‏فَمَاتَ فَهَدَرٌ‏)‏ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏{‏لَوْ اطَّلَعَ أَحَدٌ فِي بَيْتِكَ وَلَمْ تَأْذَنْ لَهُ فَحَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ مَا كَانَ عَلَيْكَ جُنَاحٌ‏}‏، وَفِي رِوَايَةٍ صَحَّحَهَا ابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ‏:‏ فَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ، وَالْمَعْنَى فِيهِ الْمَنْعُ مِنْ النَّظَرِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ حُرَمُهُ مَسْتُورَةً أَوْ فِي مُنْعَطَفٍ أَمْ لَا، لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَلِأَنَّهُ يُرِيدُ سَتْرَهَا عَنْ الْأَعْيُنِ وَإِنْ كَانَتْ مَسْتُورَةً‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

شَمَلَ قَوْلُهُ‏:‏ وَمَنْ نُظِرَ‏:‏ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ عِنْدَ نَظَرِهَا مَا لَا يَجُوزُ، وَالْخُنْثَى وَالْمُرَاهِقَ وَهُوَ كَذَلِكَ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ الْمُرَاهِقُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَلَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ الْحُدُودُ فَكَيْفَ يَجُوزُ رَمْيُهُ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّمْيَ لَيْسَ لِلتَّكْلِيفِ بَلْ لِدَفْعِ مَفْسَدَةِ النَّظَرِ، فَإِذَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُكَلَّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَحْصُلُ بِهِ الْمَفْسَدَةُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ‏:‏ نُظِرَ الْأَعْمَى، وَمَنْ اسْتَرَقَ السَّمْعَ، فَلَا يَجُوزُ رَمْيُهُمَا، إذْ لَيْسَ السَّمْعُ كَالْبَصَرِ فِي الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَوْرَاتِ، وَبِقَوْلِهِ‏:‏ حُرَمِهِ مَا إذَا كَانَ فِيهَا الْمَالِكُ وَحْدَهُ، فَإِنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا، وَهُوَ إنْ كَانَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ فَلَهُ الرَّمْيُ، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ اخْتَارَ الْأَذْرَعِيُّ الرَّمْيَ مُطْلَقًا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الْمَارِّ، وَمَا إذَا كَانَ فِيهَا خُنْثَى مُشْكِلٌ مَسْتُورُ الْعَوْرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَرْمِيهِ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ إنَّهُ الْأَقْرَبُ‏.‏ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ يَنْبَغِي تَخْرِيجهُ عَلَى جَوَازِ النَّظَرِ إلَيْهِ، وَهَذَا أَوْجَهُ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ فِي دَارِهِ رَاجِعٌ لِمَنْ لَهُ الْحُرَمُ‏.‏ أَمَّا النَّاظِرُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِع الَّذِي يَطَّلِعُ مِنْهُ مِلْكَهُ أَوْ شَارِعًا أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الِاطِّلَاعُ، وَبِقَوْلِهِ مِنْ كَوَّةٍ أَوْ ثَقْبٍ مَا إذَا نَظَرَ مِنْ الْبَابِ الْمَفْتُوحِ فَلَا يَرْمِيهِ لِتَفْرِيطِ صَاحِبِ الدَّارِ بِفَتْحِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْكَوَّةِ بِالصَّغِيرَةِ‏.‏ أَمَّا الْكَبِيرَةُ فَكَالْبَابِ الْمَفْتُوحِ، وَفِي مَعْنَاهَا الشُّبَّاكُ الْوَاسِعُ الْعَيْنِ لِتَقْصِيرِ صَاحِبِ الدَّارِ إلَّا أَنْ يُنْذَرَهُ فَيَرْمِيَهُ كَمَا صَرَّحَ الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَغَيْرُهُ‏.‏ وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْفَاتِحُ لِلْبَابِ هُوَ النَّاظِرُ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ رَبُّ الدَّارِ مِنْ إغْلَاقِهِ جَازَ الرَّمْيُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَحُكْمُ النَّظَرِ مِنْ سَطْحِ نَفْسِهِ وَالْمُؤَذِّنِ مِنْ الْمَنَارَةِ كَالْكَوَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ، إذْ لَا تَفْرِيطَ مِنْ صَاحِبِ الدَّارِ، وَبِقَوْلِهِ عَمْدًا مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الِاطِّلَاعُ كَأَنْ كَانَ مَجْنُونًا، أَوْ كَانَ مُخْطِئًا، أَوْ وَقَعَ نَظَرُهُ اتِّفَاقًا، فَإِنَّهُ لَا يَرْمِيهِ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الدَّارِ، فَإِنْ رَمَاهُ وَادَّعَى الْمَرْمِيُّ عَدَمَ الْقَصْدِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّامِي؛ لِأَنَّ الِاطِّلَاعَ حَصَلَ، وَالْقَصْدَ بَاطِنٌ‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذَا ذَهَابٌ إلَى جَوَازِ الرَّمْيِ مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقِ الْقَصْدِ، وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ وَهُوَ حَسَنٌ ا هـ‏.‏

وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ مَا ذُكِرَ لَيْسَ ذَهَابًا لِذَلِكَ، إذْ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ أَنَّ تَحَقُّقَ الْأَمْرِ بِقَرَائِنَ يَعْرِفُ بِهَا الرَّامِي قَصْدَ النَّاظِرِ، وَلَا يَجُوزُ رَمْيُ مَنْ انْصَرَفَ عَنْ النَّظَرِ كَالصَّائِلِ إذَا رَجَعَ عَنْ صِيَالِهِ، وَبِقَوْلِهِ‏:‏ بِخَفِيفِ الثَّقِيلِ كَالْحَجَرِ الْكَبِيرِ وَالنَّشَّابِ، وَيَضْمَنُ إنْ رَمَى بِذَلِكَ بِالْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ‏.‏ نَعَمْ لَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَ ذَلِكَ جَازَ كَنَظِيرِهِ فِي الصِّيَالِ فِيمَا إذَا أَمْكَنَهُ الدَّفْعُ بِالْعَصَا وَلَمْ يَجِدْ إلَّا السَّيْفَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ رَمْيُ عَيْنِهِ، أَوْ لَمْ يَنْدَفِعْ بِرَمْيِهِ بِالْخَفِيفِ اسْتَغَاثَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلِّ غَوْثٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَنْشُدَهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ لَهُ ضَرْبُهُ بِالسِّلَاحِ وَمَا يَرْدَعَهُ‏.‏ وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِمْ النَّاظِرَ صُورَتَانِ‏:‏ الْأُولَى مَا لَوْ كَانَ أَحَدُ أُصُولِهِ الَّذِينَ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِمْ وَلَا حَدَّ قَذْفٍ فَلَا يَجُوزُ رَمْيُهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ حَدٍّ، فَإِنْ رَمَاهُ وَفَقَأَهُ ضَمِنَ‏.‏ الثَّانِيَة مَا إذَا كَانَ النَّظَرُ مُبَاحًا لَهُ لِخِطْبَةٍ وَنَحْوِهَا بِشَرْطِهِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلِمُسْتَأْجِرِ الدَّارِ رَمْيُ الْمَالِكِ، وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُسْتَعِيرِ رَمْيُ الْمُعِيرِ‏؟‏ وَجْهَانِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ‏:‏ الْأَقْوَى الْجَوَازُ وَلَوْ كَانَ فِي دَارٍ مَغْصُوبَةٍ أَوْ مَسْجِدٍ، أَوْ شَارِعٍ مَكْشُوفِ الْعَوْرَةِ، أَوْ هُوَ وَأَهْلُهُ فَلَا يَجُوزُ رَمْيُهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ، وَالْخَيْمَةُ فِي الصَّحْرَاءِ كَالْبَيْتِ فِي الْبُنْيَانِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ رَمْيُ النَّاظِرِ ‏(‏بِشَرْطِ عَدَمِ مَحْرَمٍ وَزَوْجَةٍ لِلنَّاظِرِ‏)‏ فَإِنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَرُمَ رَمْيُهُ، لِأَنَّ لَهُ فِي النَّظَرِ شُبْهَةً كَمَا لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

الْوَاوُ فِي عِبَارَتِهِ بِمَعْنَى ‏"‏ أَوْ ‏"‏، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا كَافٍ، وَمِثْلُ الزَّوْجَةِ الْأَمَةُ، وَيَرِدُ عَلَى طَرْدِهِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ هُنَاكَ مَتَاعٌ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ رَمْيُهُ كَمَا جَزَمَا بِهِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ ، وَعَلَى عَكْسِهِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ هُنَاكَ مَحْرَمٌ وَلَكِنْ مُتَجَرِّدَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ رَمْيُهُ، إذْ لَيْسَ لَهُ النَّظَرُ إلَى مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا‏.‏ ثُمَّ أَشَارَ لِاعْتِبَارِ شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ عَلَى مَرْجُوحٍ‏.‏ أَحَدُهُمَا مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ ‏(‏قِيلَ‏:‏ وَ‏)‏ بِشَرْطِ عَدَمِ ‏(‏اسْتِتَارِ الْحُرَمِ‏)‏ فَإِنْ كُنَّ مُسْتَتِرَاتٍ بِالثِّيَابِ، أَوْ فِي مُنْعَطَفِ لَا يَرَاهُنَّ النَّاظِرُ لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُ لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِنَّ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَحَسْمًا لِمَادَّةِ النَّظَرِ، فَقَدْ يُرِيدُ سَتْرَ حُرَمِهِ عَنْ النَّاسِ وَإِنْ كُنَّ مُسْتَتِرَاتٍ‏.‏ وَالشَّرْطُ الثَّانِي مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ ‏(‏قِيلَ‏:‏ وَ‏)‏ بِشَرْطِ ‏(‏إنْذَارٍ‏)‏ بِمُعْجَمَةٍ ‏(‏قَبْلَ رَمْيِهِ‏)‏ عَلَى قِيَاسِ الدَّفْعِ بِالْأَهْوَنِ فَالْأَهْوَنِ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ، إذْ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْإِنْذَارُ‏.‏ قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ وَمَجَالُ التَّرَدُّدِ فِي الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ مَوْعِظَةٌ وَتَخْجِيلٌ قَدْ يُفِيدُ وَقَدْ لَا يُفِيدُ‏.‏ فَأَمَّا مَا يُوثَقُ بِكَوْنِهِ دَافِعًا مِنْ تَخْوِيفٍ وَزَعْقَةٍ مُزْعِجَةٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي وُجُوبِ الْبَدَاءَةِ خِلَافٌ‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذَا حَسَنٌ ا هـ‏.‏

وَهُوَ ظَاهِرٌ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ تَصْحِيحُ عَدَمِ وُجُوبِ الْإِنْذَارِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ شَخْصٌ دَارِهِ أَوْ خَيْمَتَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ لَهُ دَفْعَهُ، وَإِنْ أَتَى الدَّفْعُ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ قَبْلَ إنْذَارِهِ عَلَى الْأَصَحِّ‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الدَّفْعِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ رَمْيَ الْمُتَطَلِّعِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ كَقَطْعِ الْيَدِ فِي السَّرِقَةِ، وَدَفْعُ الدَّاخِلِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَلَزِمَ سُلُوكُ مَا يُمْكِنُ، وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا ذَكَرُوهُ وَمَا مَرَّ فِي تَخْلِيصِ الْيَدِ مِنْ عَاضِّهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا أَهْدَرَ ثَنِيَّةَ الْعَاضِّ بِنُزَّعِ الْمَعْضُوضِ يَدَهُ مِنْ‏.‏ فِيهِ لَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ وُجُودِ الْإِنْذَارِ وَعَدَمِهِ‏.‏ وَلَوْ قَتَلَ شَخْصٌ آخَرَ فِي دَارِهِ وَقَالَ‏:‏ إنَّمَا قَتَلْتُهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِي أَوْ مَالِي وَأَنْكَرَ الْوَلِيُّ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَفْعًا، وَيَكْفِي قَوْلُهَا دَخَلَ دَارِهِ شَاهِرَ السِّلَاحِ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُهَا دَخَلَ بِسِلَاحٍ مِنْ غَيْرِ شَهْرٍ إلَّا إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفَسَادِ، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَتِيلِ عَدَاوَةٌ فَيَكْفِي ذَلِكَ لِلْقَرِينَةِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَا يَتَعَيَّنُ ضَرْبُ رِجْلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الدُّخُولُ بِهِمَا لِأَنَّهُ دَخَلَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ قَصْدُ عُضْوٍ بِعَيْنِهِ‏.‏ وَلَوْ أَخَذَ الْمَتَاعَ وَخَرَجَ فَلَهُ أَنْ يَتْبَعَهُ وَيُقَاتِلَهُ إلَى أَنْ يَطْرَحَهُ، وَلَا يَجُوزُ دُخُولُ بَيْتِ شَخْصٍ إلَّا بِإِذْنِهِ مَالِكًا كَانَ أَوْ مُسْتَأْجِرًا أَوْ مُسْتَعِيرًا، فَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا، أَوْ قَرِيبًا غَيْرَ مَحْرَمٍ فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنٍ صَرِيحٍ سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَابُ مُغْلَقًا أَمْ لَا، وَإِنْ كَانَ مَحْرَمًا فَإِنْ كَانَ سَاكِنًا مَعَ صَاحِبِهِ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الِاسْتِئْذَانُ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يُشْعِرَهُ بِدُخُولِهِ بِتَنَحْنُحٍ أَوْ شِدَّةُ وَطْءٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لِيَسْتَتِرَ الْعُرْيَانُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا فَإِنْ كَانَ الْبَابُ مُغْلَقًا لَمْ يَدْخُلْ إلَّا بِإِذْنٍ، وَإِنْ كَانَ مَفْتُوحًا فَوَجْهَانِ‏:‏ وَالْأَوْجَهُ الِاسْتِئْذَانُ‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ لَوْ صَالَ عَبْدٌ مَغْصُوبٌ أَوْ مُسْتَعَارٌ عَلَى الْمَالِكِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا لَمْ يَبْرَأْ كُلٌّ مِنْ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَعِيرِ مِنْ الضَّمَانِ إذْ لَا أَثَرَ بِقَتْلِهِ دَفْعًا‏.‏ وَلَوْ قَطَعَ يَدَ صَائِلٍ دَفْعًا، وَوَلَّى فَتَبِعَهُ فَقَتَلَهُ قُتِلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ وَلَّى عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْيَدِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَنْقُصُ بِنَقْصِ الْيَدِ؛ وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَ مَنْ لَهُ يَدَانِ مِنْ لَيْسَ لَهْ إلَّا يَدٌ قُتِلَ بِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْهَرَبُ مِنْ فَحْلٍ صَائِلٍ عَلَيْهِ وَلَمْ يَهْرُبْ فَقَتَلَهُ دَفْعًا ضَمِنَ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْهَرَبِ عَلَيْهِ إذَا صَالَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ‏.‏ وَفِي حِلِّ أَكْلِ لَحْمِ الْفَحْلِ الصَّائِلُ الَّذِي تَلِفَ بِالدَّفْعِ إنْ أُصِيبَ مَذْبَحُهُ وَجْهَانِ‏.‏ وَجْهُ مَنْعِ الْحِلِّ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الذَّبْحَ وَالْأَكْلَ وَالرَّاجِحُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْحِلُّ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ عَزَّرَ وَلِيٌّ وَوَالٍ وَزَوْجٌ وَمُعَلَّمٌ فَمَضْمُونٌ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ عَزَّرَ وَلِيٌّ‏)‏ مَحْجُورَهُ ‏(‏وَوَالٍ‏)‏ مَنْ رُفِعَ إلَيْهِ ‏(‏وَزَوْجٌ‏)‏ زَوْجَتَهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ نُشُوزٍ وَغَيْرِهِ ‏(‏وَمُعَلَّمٌ‏)‏ صَغِيرًا يَتَعَلَّمُ وَلَوْ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ ‏(‏فَمَضْمُونٌ‏)‏ تَعْزِيرُهُمْ، فَإِذَا حَصَلَ بِهِ هَلَاكٌ، فَإِنْ كَانَ بِضَرْبٍ يُقْتَلُ غَالِبًا، فَالْقِصَاصُ عَلَى غَيْرِ الْأَصْلِ، وَإِلَّا فَدِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ، إذْ الْمَقْصُودُ التَّأْدِيبُ لَا الْهَلَاكُ، فَإِذَا حَصَلَ بِهِ هَلَاكٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ جَاوَزَ الْحَدَّ الْمَشْرُوعَ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لَوْ ضَرَبَ الدَّابَّةَ الْمُسْتَأْجَرَةَ أَوْ الرَّائِضِ لِتَعَلُّمِ الرِّيَاضَةِ الضَّرْبَ الْمُعْتَادَ فَهَلَكَتْ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّابَّةَ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ ضَرْبِهَا، وَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْ ضَرْبِ الْآدَمِيِّ بِالْقَوْلِ وَالزَّجْرِ فَضَمِنَهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

دَخَلَ فِي تَعْبِيرِهِ مَا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْهَلَاكِ كَتَوْبِيخِ غَيْرِ الْحَامِلِ وَالْحَبْسِ وَالنَّفْيِ وَالصَّفْعَةِ الْخَفِيفَةِ لِذِكْرِهِ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّ التَّعْزِيرَ يَكُونُ بِالْحَبْسِ وَالصَّفْعِ وَالتَّوْبِيخِ، ثُمَّ أَطْلَقَ التَّعْزِيرَ هُنَا مَعَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ قَطْعًا، وَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ يُخْرِجُ السَّيِّدَ فِي تَعْزِيرِ عَبْدِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ، إذْ لَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِغَيْرِهِ فِي ضَرْبِ مَمْلُوكِهِ فَضَرَبَهُ فَمَاتَ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ‏.‏ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ الضَّمَانِ مَا إذَا اعْتَرَفَ بِمَا يَقْتَضِي التَّعْزِيرَ وَطَلَبَ بِنَفْسِهِ مِنْ الْوَالِي تَعْزِيرَهُ فَعَزَّرَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ‏:‏ أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا عَيَّنَ لَهُ نَوْعَ التَّعْزِيرِ وَقَدْرَهُ، وَالزَّرْكَشِيُّ‏:‏ الْحَاكِمُ إذَا عَزَّرَ الْمُمْتَنِعَ مِنْ الْحَقِّ الْمُتَعَيَّنِ عَلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَدَائِهِ، وَتَسْمِيَةُ ضَرْبِ الْوَلِيِّ وَالزَّوْجِ وَالْمُعَلِّمِ تَعْزِيرًا هُوَ أَشْهُرُ الِاصْطِلَاحَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَمِنْهُمْ مَنْ يَخُصُّ لَفْظَ التَّعْزِيرِ بِالْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، وَضَرْبَ الْبَاقِي بِتَسْمِيَتِهِ تَأْدِيبًا لَا تَعْزِيرًا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ حَدَّ مُقَدَّرًا فَلَا ضَمَانَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ حَدَّ‏)‏ الْإِمَامُ حَيْثُ كَانَ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ ‏(‏مُقَدَّرًا‏)‏ بِنَصٍّ فِيهِ كَحَدِّ قَذْفٍ فَمَاتَ الْمَحْدُودُ ‏(‏فَلَا ضَمَانَ‏)‏ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، لِأَنَّ الْحَقَّ قَتَلَهُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْجَلْدُ وَالْقَطْعُ وَسَوَاءٌ جَلَدَهُ فِي حَرٍّ وَبَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ أَمْ لَا كَمَا مَرَّ فِي آخِرِ حَدِّ الزِّنَا، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي مَرَضٍ يُرْجَى بُرْؤُهُ أَمْ لَا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لَا مَعْنَى لِوَصْفِ الْحَدِّ بِالتَّقْدِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مُقَدَّرًا‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ حَدِّ الشُّرْبِ إذَا بَلَغَ بِهِ ثَمَانِينَ كَمَا سَيَأْتِي‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ ضُرِبَ شَارِبٌ بِنِعَالٍ وَثِيَابٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا أَرْبَعُونَ سَوْطًا عَلَى الْمَشْهُورِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ ضُرِبَ شَارِبٌ بِنِعَالٍ وَثِيَابٍ‏)‏ فَمَاتَ ‏(‏فَلَا ضَمَانَ‏)‏ فِيهِ ‏(‏عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏ الْمَنْصُوصِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُدُودِ‏.‏ وَالثَّانِي يُضْمَنُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُضْرَبَ هَكَذَا بِأَنْ يَتَعَيَّنَ السَّوْطُ ‏(‏وَكَذَا أَرْبَعُونَ سَوْطًا‏)‏ ضَرَبَهَا الشَّارِبُ الْحُرُّ فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ ‏(‏عَلَى الْمَشْهُورِ‏)‏ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنْ يُضْرَبَ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً، وَلِأَنَّهُ جَلْدٌ يَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ كَحَدِّ الزِّنَا وَالْقَذْفِ‏.‏ وَالثَّانِي فِيهِ الضَّمَانُ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ، لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ بِالْأَرْبَعِينَ كَانَ بِاجْتِهَادٍ، وَكَذَا عَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ، وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ‏{‏جَلَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ‏}‏ فَهُوَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا مَنَعْنَا السِّيَاطَ، فَإِنْ جَوَّزْنَاهُ بِهِ وَبِغَيْرِهِ كَمَا هُوَ الْأَصَحِّ فَلَا ضَمَانَ قَطْعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ، وَإِذَا أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ ضَمِنَ الْجَمِيعُ وَقِيلَ النِّصْفُ‏.‏

المتن‏:‏

أَوْ أَكْثَرُ وَجَبَ قِسْطُهُ بِالْعَدَدِ، وَفِي قَوْلٍ نِصْفُ دِيَةٍ، وَيَجْرِيَانِ فِي قَاذِفٍ جُلِدَ أَحَدًا وَثَمَانِينَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏أَوْ‏)‏ جَلَدَ الْإِمَامُ فِي حَدِّ الشُّرْبِ ‏(‏أَكْثَرُ‏)‏ مِنْ أَرْبَعِينَ جَلْدَةٍ فَمَاتَ ‏(‏وَجَبَ قِسْطُهُ‏)‏ أَيْ الْأَكْثَرُ ‏(‏بِالْعَدَدِ‏)‏ أَيْ عَدَدِ الْجَلَدَاتِ نَظَرًا لِلزَّائِدِ فَقَطْ، وَسَقَطَ الْبَاقِي لِأَنَّ الضَّرْبَ يَقَعُ عَلَى ظَاهِرِ الْبَدَنِ، فَهُوَ قَرِيبُ التَّمَاثُلِ فَيُقَسِّطُ الضَّمَانُ عَلَى عَدَدِهِ، فَفِي إحْدَى وَأَرْبَعِينَ جَلْدَةً جُزْءٌ مِنْ إحْدَى وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ الدِّيَةِ، وَفِي عَشَرَةٍ خُمْسُ الدِّيَةِ وَهَكَذَا ‏(‏وَفِي قَوْلٍ نِصْفُ الدِّيَةِ‏)‏ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ مَضْمُونٍ وَغَيْرِهِ، وَجَرَى عَلَى هَذَا الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ‏:‏ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَلَكِنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ‏.‏ وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ بِأَنَّ حِصَّةَ السَّوْطِ الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ مَثَلًا لَا تُسَاوِي حِصَّةَ السَّوْطِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَادَفَ بَدَنًا صَحِيحًا قَبْلَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ الضَّرْبُ، بِخِلَافِ الْأَخِيرِ فَإِنَّهُ صَادَفَ بَدَنًا قَدْ ضَعُفَ بِأَرْبَعِينَ، وَلَكِنَّ الْأَصْحَابَ قَطَعُوا النَّظَرَ عَنْ ذَلِكَ ‏(‏وَيَجْرِيَانِ فِي قَاذِفٍ جُلِدَ أَحَدًا وَثَمَانِينَ‏)‏ فَمَاتَ، فَفِي قَوْلٍ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَالْأَظْهَرُ جُزْءٌ مِنْ أَحَدٍ وَثَمَانِينَ جُزْءًا مِنْ الدِّيَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ أَحَدًا كَذَا هُوَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ، وَذَكَرَهُ لِإِرَادَةِ السَّوْطِ، وَفِي الْمُحَرَّرِ إحْدَى لِإِرَادَةِ الْجَلْدَةِ وَهُوَ أَوْلَى لِمُوَافَقَةِ الْقُرْآنِ‏:‏ ‏{‏مِائَةَ جَلْدَةٍ‏}‏، ‏{‏ثَمَانِينَ جَلْدَةً‏}‏، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا ضَرَبَهُ الزَّائِدَ مَعَ بَقَاءِ أَلَمِ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ ضَرَبَهُ الْحَدَّ كَامِلًا وَزَالَ أَلَمُ الضَّرْبِ، ثُمَّ ضَرَبَهُ الزَّائِدُ فَمَاتَ ضَمِنَ دِيَتَهُ كُلَّهَا بِلَا خِلَافٍ‏.‏

المتن‏:‏

وَلِمُسْتَقِلٍّ قَطْعُ سِلْعَةٍ إلَّا مَخُوفَةً لَا خَطَرَ فِي تَرْكِهَا، أَوْ الْخَطَرُ فِي قَطْعِهَا أَكْثَرُ، وَلِأَبٍ وَجَدٍّ قَطْعُهَا مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ مَعَ الْخَطَرِ إنْ زَادَ خَطَرُ التَّرْكِ لَا لِسُلْطَانٍ، وَلَهُ وَلِسُلْطَانٍ قَطْعُهَا بِلَا خَطَرٍ، وَفَصْدٌ وَحِجَامَةٌ، فَلَوْ مَاتَ بِجَائِزٍ مِنْ هَذَا فَلَا ضَمَانَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ فَعَلَ سُلْطَانٌ بِصَبِيٍّ مَا مُنِعَ فَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهِ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلِمُسْتَقِلٍّ‏)‏ بِأَمْرِ نَفْسِهِ وَهُوَ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ كَمَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَوْ سَفِيهًا ‏(‏قَطْعُ سِلْعَةٍ‏)‏ مِنْهُ وَهِيَ بِكَسْرِ السِّينِ، وَحُكِيَ فَتْحُهَا مَعَ سُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا‏:‏ خُرَّاجٌ كَهَيْئَةِ الْغُدَّةِ يَخْرُجُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ يَكُونُ مِنْ الْحِمَّصَةِ إلَى الْبِطِّيخَةِ، وَلَهُ فِعْلُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَبِنَائِبِهِ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي إزَالَةِ الشِّينِ ‏(‏إلَّا‏)‏ سِلْعَةً ‏(‏مَخُوفَةً‏)‏ قَطْعُهَا بِقَوْلِ اثْنَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ أَوْ وَاحِدٍ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ ‏(‏لَا خَطَرَ فِي تَرْكِهَا‏)‏ أَصْلًا ‏(‏أَوْ الْخَطَرُ فِي قَطْعِهَا أَكْثَرُ‏)‏ مِنْهُ فِي تَرْكِهَا فَيُمْتَنَعُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى هَلَاكِ نَفْسِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ‏}‏ أَمَّا الَّتِي خَطَرُ تَرْكِهَا أَكْثَرُ أَوْ الْقَطْعُ وَالتَّرْكُ فِيهَا سِيَّانِ، فَيَجُوزُ لَهُ قَطْعُهَا عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْأُولَى، وَالْأَصَحُّ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا كَمَا يَجُوزُ قَطْعُهُ لِغَيْرِ الْمَخُوفَةِ لِزِيَادَةِ رَجَاءِ السَّلَامَةِ مَعَ إزَالَةِ الشِّينِ، وَإِنْ نَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي الْجَوَازِ عِنْدَ اسْتِوَائِهِمَا، وَقَالَ لَوْ قَالَ الْأَطِبَّاءُ‏:‏ إنْ لَمْ تَقْطَعْ حَصَلَ أَمْرٌ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ وَجَبَ الْقَطْعُ كَمَا يَجِبُ دَفْعُ الْمُهْلِكَاتِ وَيُحْتَمَلُ الِاسْتِحْبَابُ ا هـ‏.‏

وَهَذَا الثَّانِي أَوْجَهُ، وَمِثْلُ السِّلْعَةِ فِيمَا ذُكِرَ وَفِيمَا يَأْتِي‏:‏ الْعُضْوُ الْمُتَأَكِّلُ‏.‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ وَيَجُوزُ الْكَيُّ وَقَطْعُ الْعُرُوقِ لِلْحَاجَةِ، وَيُسَنُّ تَرْكُهُ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُتَأَلِّمِ تَعْجِيلُ الْمَوْتِ وَإِنْ عَظُمَ أَلَمُهُ وَلَمْ يُطِقْهُ لِأَنَّ بَرَأَهُ مَرْجُوٌّ، فَلَوْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي مُحْرِقٍ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْجُو مِنْهُ إلَّا إلَى مَائِعٍ مُغْرِقٍ وَرَآهُ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى لَفَحَاتِ الْمُحْرِقِ جَازَ لِأَنَّهُ أَهْوَنُ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّ لَهُ قَتْلَ نَفْسِهِ بِغَيْرِ إغْرَاقٍ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ عَنْ وَالِدِهِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ‏(‏وَلِأَبٍ وَجَدٍّ‏)‏ وَإِنْ عَلَا ‏(‏قَطْعُهَا‏)‏ أَيْ السِّلْعَةِ ‏(‏مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ مَعَ الْخَطَرِ‏)‏ فِيهِ ‏(‏إنْ زَادَ خَطَرُ التَّرْكِ‏)‏ عَلَى خَطَرِ الْقَطْعِ لِأَنَّهُمَا يَلِيَانِ صَوْنُ مَالِهِمَا عَنْ الضَّيَاعِ فَبَدَنُهُمَا أَوْلَى‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ كَلَامُهُ الْمَنْعَ فِيمَا إذَا زَادَ خَطَرُ الْقَطْعِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَفِيمَا إذَا اسْتَوَى الْأَمْرَانِ وَهُوَ مَا نَقَلَا تَصْحِيحَهُ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّاهُ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَدْ مَرَّ فِي الْمُسْتَقِلِّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْقَطْعُ حِينَئِذٍ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ كَمَا قَالَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ‏؟‏‏.‏ ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَطْعَ ثَمَّ مِنْ نَفْسِهِ، وَهُنَا مِنْ غَيْرِهِ فَاحْتِيطَ فِيهِ ‏(‏لَا لِسُلْطَانٍ‏)‏ وَلَا لِغَيْرِهِ مَا عَدَا الْأَبَ، وَالْجَدَّ كَالْوَصِيِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ دَقِيقٍ وَفَرَاغٍ وَشَفَقَةٍ تَامَّيْنِ، وَكَمَا أَنَّ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ تَزْوِيجَ الْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ دُونَ غَيْرِهِمَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْأُمُّ وَصِيَّةً جَازَ لَهَا ذَلِكَ وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرٌ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ مَنْ ذُكِرَ مِنْ أَبٍ وَجَدٍّ ‏(‏وَلِسُلْطَانٍ‏)‏ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ لَا الْأَجْنَبِيِّ ‏(‏قَطْعُهَا بِلَا خَطَرٍ‏)‏ فِيهِ لِعَدَمِ الضَّرَرِ، وَنَازَعَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَجْوِيزِ ذَلِكَ لِلسُّلْطَانِ، وَقَالَ‏:‏ إنَّهُ مِنْ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ وَجَرَيَا عَلَيْهِ‏.‏ أَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِحَالٍ، فَإِنْ فَعَلَ وَسَرَى إلَى النَّفْسِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ ‏(‏وَ‏)‏ يَجُوزُ لَهُ أَيْضًا وَلِبَقِيَّةِ الْأَوْلِيَاءِ ‏(‏فَصْدٌ وَحِجَامَةٌ‏)‏ وَنَحْوِهِمَا بِلَا خَطَرٍ عِنْدَ إشَارَةِ الْأَطِبَّاءِ بِذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْأَبَ الرَّقِيقَ وَالسَّفِيهَ كَالْأَجْنَبِيِّ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ ‏(‏فَلَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ‏)‏ ‏(‏بِجَائِزٍ مِنْ هَذَا‏)‏ الْمَذْكُورُ ‏(‏فَلَا ضَمَانَ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ فَيَتَضَرَّرَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ، وَالثَّانِي يَضْمَنُ كَمَا فِي التَّعْزِيرِ إذَا أَفْضَى إلَى التَّلَفِ ‏(‏وَلَوْ فَعَلَ سُلْطَانٌ بِصَبِيٍّ‏)‏ أَوْ مَجْنُونٍ ‏(‏مَا مُنِعَ‏)‏ مِنْهُ فِي حَقِّهِ فَمَاتَ ‏(‏فَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهِ‏)‏ لِتَعَدِّيهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَا مَعْنَى لِلتَّقْيِيدِ بِالسُّلْطَانِ، بَلْ الْأَبُ وَالْجَدُّ كَذَلِكَ، وَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِشُبْهَةِ الْإِصْلَاحِ وَلِلْبَعْضِيَّةِ فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَدَخَلَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ كَانَ الْخَوْفُ فِي الْقَطْعِ أَكْثَرُ مِنْ التَّرْكِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي هَذِهِ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى السُّلْطَانِ‏.‏

المتن‏:‏

وَمَا وَجَبَ بِخَطَأِ إمَامٍ فِي حَدٍّ أَوْ حُكْمٍ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ، وَفِي قَوْلٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَمَا وَجَبَ بِخَطَأِ إمَامٍ فِي حَدٍّ أَوْ حُكْمٍ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ‏)‏ كَغَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ‏)‏ لِأَنَّ خَطَأَهُ قَدْ يَكْثُر لِكَثْرَةِ الْوَقَائِعِ فَيَضُرُّ ذَلِكَ بِالْعَاقِلَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ تَقْصِيرٌ، فَإِنْ ظَهَرَ كَمَا لَوْ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى الْحَامِلِ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا فَالْغُرَّةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ قَطْعًا، وَاحْتُرِزَ بِخَطَئِهِ عَمَّا يَتَعَدَّى فِيهِ فَهُوَ فِيهِ كَآحَادِ النَّاسِ، وَبِقَوْلِهِ‏:‏ فِي حَدٍّ أَوْ حُكْمٍ مِنْ خَطَئِهِ فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ فِيهِ كَآحَادِ النَّاسِ أَيْضًا كَمَا إذَا رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَيُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْكَفَّارَةُ فَإِنَّهَا فِي مَالِهِ عَلَى الْأَوَّلِ قَطْعًا وَعَلَى الثَّانِي عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَوْلُهُ فِي حُكْمٍ قَدْ يَشْمَلُ التَّعْزِيرَ فَإِنَّهُ كَالْحَدِّ، هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْخَطَأُ فِي النَّفْسِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ فَقَوْلَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ‏:‏ يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ‏.‏ وَالثَّانِي بَيْتِ الْمَالِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ حَدَّهُ بِشَاهِدَيْنِ فَبَانَا عَبْدَيْنِ أَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَوْ، مُرَاهِقَيْنِ فَإِنْ قَصَّرَ فِي اخْتِبَارِهِمَا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَالْقَوْلَانِ، فَإِنْ ضَمَّنَا عَاقِلَةً أَوْ بَيْتَ مَالٍ فَلَا رُجُوعَ عَلَى الذِّمِّيَّيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ حَدَّهُ‏)‏ أَيْ الْإِمَامُ شَخْصًا ‏(‏بِشَاهِدَيْنِ فَبَانَا عَبْدَيْنِ‏)‏ أَوْ عَدُوَّيْنِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ أَصْلَيْهِ أَوْ فَرْعَيْهِ أَوْ فَاسِقَيْنِ ‏(‏أَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَوْ مُرَاهِقَيْنِ‏)‏ وَمَاتَ الْمَحْدُودُ نَظَرْتَ ‏(‏فَإِنْ قَصَّرَ‏)‏ الْإِمَامُ ‏(‏فِي اخْتِبَارِهِمَا‏)‏ بِأَنْ تَرَكَهُ جُمْلَةً كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ ‏(‏فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ إنْ تَعَمَّدْ؛ لِأَنَّ الْهُجُومَ عَلَى الْقَتْلِ مَمْنُوعٌ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ وَجَبَ الْمَالُ فَهُوَ عَلَيْهِ أَيْضًا لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ فَالضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لَا فِي بَيْتِ الْمَالِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ قَالَ غَيْرَ مَقْبُولَيْ الشَّهَادَةِ لِشَمْلِ مَا ذَكَرَ مِنْ الصُّوَرِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ فَبَانَا كَافِرَيْنِ لَشَمَلَ الْحَرْبِيَّيْنِ وَالْمُسْتَأْمَنِينَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِمَا ضَمَانٌ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يُقَصِّرْ فِي اخْتِبَارِهِمَا بَلْ بَحَثَ وَبَذَلَ وُسْعَهُ ‏(‏فَالْقَوْلَانِ‏)‏ فِي أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِ أَوْ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَقَدْ مَرَّ تَوْجِيهِهِمَا وَأَنَّ أَظْهَرَهُمَا الْأَوَّلُ‏.‏ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ قَوْلَهُ ‏(‏فَإِنْ ضَمَّنَا عَاقِلَةً‏)‏ عَلَى الْأَظْهَرِ ‏(‏أَوْ بَيْتَ مَالٍ‏)‏ عَلَى مُقَابِلِهِ ‏(‏فَلَا رُجُوعَ عَلَى الذِّمِّيَّيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ‏)‏ وَالْفَاسِقَيْنِ وَالْمُرَاهِقَيْنِ وَمَنْ ذُكِرَ بَعْدَهُمْ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ صَادِقُونَ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ تَعَدٍّ فِيمَا أَتَوْا بِهِ‏.‏ وَالثَّانِي لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ غَرُّوا الْقَاضِي‏.‏ وَالثَّالِثُ يَثْبُتُ الرُّجُوعُ لِلْعَاقِلَةِ دُونَ بَيْتِ الْمَالِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُتَجَاهِرِ بِالْفِسْقِ بِمَا غَرِمَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ أَنْ لَا يَشْهَدَ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِ يُشْعِرُ بِتَدْلِيسٍ مِنْهُ وَتَغْرِيرٍ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَجَاهِرِ بِذَلِكَ، وَلَا يُقَالُ إنَّ الذِّمِّيَّ كَالْمُتَجَاهِرِ لِأَنَّ عَقِيدَتَهُ لَا تُخَالِفُ ذَلِكَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ كَلَامُهُ‏:‏ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُزَكِّينَ وَهُوَ مَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ قُبَيْلَ الدَّعَاوَى، لَكِنْ فِي أَصْلِهَا فِي الْقِصَاصِ أَنَّ الْمُزَكِّيَ الرَّاجِعَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقِصَاصُ وَالضَّمَانُ فِي الْأَصَحِّ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏.‏

المتن‏:‏

وَمَنْ حَجَمَ أَوْ فَصَدَ بِإِذْنٍ لَمْ يَضْمَنْ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَمَنْ حَجَمَ‏)‏ غَيْرَهُ ‏(‏أَوْ فَصَدَ‏)‏ هـ ‏(‏بِإِذْنٍ‏)‏ مُعْتَبَرٍ كَقَوْلِ حُرٍّ مُكَلَّفٍ لِحَاجِمٍ اُحْجُمْنِي أَوَافْصِدُنِي فَفَعَلَ وَأَفْضَى لِلتَّلَفِ ‏(‏لَمْ يَضْمَنْ‏)‏ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ وَإِلَّا لَمْ يَفْعَلُهُ أَحَدٌ‏.‏ هَذَا إنْ لَمْ يُخْطِئْ، فَإِنْ أَخْطَأَ ضَمِنَ وَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْخَاتِنِ‏.‏ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ‏:‏ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الطَّبِيبَ إذَا لَمْ يَتَعَدَّ لَمْ يَضْمَنْ‏.‏

المتن‏:‏

وَقَتْلُ جَلَّادٍ وَضَرْبُهُ بِأَمْرِ الْإِمَامِ كَمُبَاشَرَةِ الْإِمَامِ إنْ جَهِلَ ظُلْمَهُ وَخَطَأَهُ وَإِلَّا فَالْقِصَاصُ وَالضَّمَانُ عَلَى الْجَلَّادِ إنْ لَمْ يَكُنْ إكْرَاهٌ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَقَتْلُ جَلَّادٍ وَضَرْبُهُ بِأَمْرِ الْإِمَامِ كَمُبَاشَرَةِ الْإِمَامِ‏)‏ الْقَتْلَ وَالضَّرْبَ ‏(‏إنْ جَهِلَ‏)‏ الْجَلَّادُ ‏(‏ظُلْمَهُ‏)‏ أَيْ الْإِمَامِ ‏(‏وَخَطَأَهُ‏)‏ فَيَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ بِالْإِمَامِ قَوَدًا وَمَالًا لَا بِالْجَلَّادِ لِأَنَّهُ آلَتُهُ وَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي السِّيَاسَةِ، فَلَوْ ضَمَّنَّاهُ لَمْ يَتَوَلَّ الْجَلْدَ أَحَدٌ، لَكِنْ اسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَتْلَ‏.‏ قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ وَهَذَا مِنْ النَّوَادِرِ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ مُبَاشِرٌ مُخْتَارٌ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فِي الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ عَلِمَ ظُلْمَهُ أَوْ خَطَأَهُ ‏(‏فَالْقِصَاصُ وَالضَّمَانُ عَلَى الْجَلَّادِ‏)‏ وَحْدَهُ‏.‏ هَذَا ‏(‏إنْ لَمْ يَكُنْ‏)‏ هُنَاكَ ‏(‏إكْرَاهٌ‏)‏ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ لِتَعَدِّيهِ، إذْ كَانَ مِنْ حَقِّهِ لِمَا عَلِمَ الْحَالَ أَنْ يَمْتَنِعَ، إذْ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةٍ، نَعَمْ إنْ اعْتَقَدَ وُجُوبَ الطَّاعَةِ فِي الْمَعْصِيَةِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْإِمَامِ لَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى، نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْوَافِي وَأَقَرَّاهُ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ إكْرَاهٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا بِالْمَالِ قَطْعًا وَبِالْقِصَاصِ عَلَى الْأَظْهَرِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ مَا ذُكِرَ فِي خَطَأٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَإِنْ كَانَ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ كَقَتْلِ مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ وَحُرٍّ بِعَبْدٍ، فَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَوْ اعْتَقَدَ الْإِمَامُ جَوَازَهُ دُونَ الْجَلَّادِ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ إكْرَاهٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا، وَإِلَّا فَعَلَى الْجَلَّادِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ اعْتَقَدَ الْجَوَازَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ اعْتَقَدَ الْإِمَامُ الْمَنْعَ وَالْجَلَّادُ الْجَوَازَ، فَقِيلَ بِبِنَائِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي عَكْسِهِ وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ الْجَلَّادَ مُخْتَارٌ عَالِمٌ بِالْحَالِ وَالْإِمَامُ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ النَّظَرَ وَالِاجْتِهَادَ، بَلْ الْقَتْلَ فَقَطْ، فَالْجَلَّادُ كَالْمُسْتَقِلِّ‏.‏ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَمَا ضَعَّفَهُ جَزَمَ بِهِ جَمْعٌ، وَلَوْ أَسْرَفَ الْمُعَزِّرُ مَثَلًا أَوْ ظَهَرَ مِنْهُ قَصْدُ الْقَتْلِ تَعَلَّقَ بِهِ الْقَصَّاصُ أَوْ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ فِي مَالِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَجِبُ خِتَانُ الْمَرْأَةِ بِجُزْءٍ مِنْ اللَّحْمَةِ بِأَعْلَى الْفَرْجِ، وَالرَّجُلِ بِقَطْعِ مَا تُغَطِّي حَشَفَتَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَجِبُ خِتَانُ الْمَرْأَةِ بِجُزْءٍ‏)‏ أَيْ قَطْعُهُ ‏(‏مِنْ اللَّحْمَةِ‏)‏ الْكَائِنَةِ ‏(‏بِأَعْلَى الْفَرْجِ‏)‏ وَهِيَ فَوْقَ ثُقْبَةِ الْبَوْلِ تُشْبِهُ عُرْفَ الدِّيكِ، فَإِذَا قُطِعَتْ بَقِيَ أَصْلُهَا كَالنَّوَاةِ، وَيَكْفِي قَطْعُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ‏.‏ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ‏:‏ وَتَقْلِيلُهُ أَفْضَلُ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏قَالَ لِلْخَتَّانَةِ‏:‏ أَشِمِّي وَلَا تُنْهِكِي فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ‏}‏‏:‏ أَيْ أَكْثَرُ لِمَاءِ وَجْهِهَا وَدَمِهِ وَأَحَبُّ لِلْبَعْلِ‏:‏ أَيْ أَحْسَنُ فِي جِمَاعِهَا ‏(‏وَ‏)‏ خِتَانُ ‏(‏الرَّجُلِ‏)‏ ‏(‏بِقَطْعِ مَا‏)‏ أَيْ جِلْدَةٍ ‏(‏تُغَطِّي حَشَفَتَهُ‏)‏ حَتَّى تَظْهَرَ كُلُّهَا، فَلَا يَكْفِي قَطْعُ بَعْضِهَا، وَيُقَالُ لِتِلْكَ الْجِلْدَةِ الْقُلْفَةُ، وَقَوْلُهُ ‏(‏بَعْدَ الْبُلُوغِ‏)‏ ظَرْفٌ لِيَجِبَ وَيَكُونُ بَعْدَ الْعَقْلِ أَيْضًا وَاحْتِمَالِ الْخِتَانِ‏.‏ أَمَّا وُجُوبُهُ، فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا‏}‏ وَكَانَ مِنْ مِلَّتِهِ الْخِتَانُ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ ‏{‏أَنَّهُ اخْتَتَنَ وَعُمْرُهُ ثَمَانُونَ سَنَةً‏}‏ وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ ‏"‏ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً ‏"‏ وَقِيلَ سَبْعُونَ سَنَةً، وَلِأَنَّهُ قَطْعُ جُزْءٍ مِنْ الْبَدَنِ لَا يُخَلِّفُ تَعَبُّدًا فَلَا يَكُونُ إلَّا وَاجِبًا كَقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ، وَاحْتُرِزَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ عَنْ الظُّفْرِ وَالشَّعْرِ، وَبِالثَّانِي عَنْ الْقَطْعِ لِلْأَكَلَةِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ لَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا مُدَاوَاةٍ، فَلَوْ لَمْ يَجِبْ لِمَا جَازَ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏أَمَرَ بِالْخِتَانِ رَجُلًا أَسْلَمَ فَقَالَ لَهُ أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ‏}‏ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ خَرَجَ إلْقَاءُ الشَّعْرِ بِدَلِيلٍ فَبَقِيَ فِي الْخِتَانِ تَقْلِيلًا لِمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ، وَقِيلَ هُوَ سُنَّةٌ لِقَوْلِ الْحَسَنِ‏:‏ قَدْ أَسْلَمَ النَّاسُ وَلَمْ يَخْتَتِنُوا وَقِيلَ وَاجِبٌ لِلذُّكُورِ سُنَّةٌ لِلْإِنَاثِ‏.‏ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ‏:‏ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَمَّا كَيْفِيَّتِهِ فَكَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَوْ وُلِدَ مَخْتُونًا أَجْزَأَهُ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

أَوَّلُ مَنْ اخْتَتَنَ مِنْ الرِّجَالِ إبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ الْإِنَاثِ هَاجَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

خُلِقَ آدَم مَخْتُونًا وَوُلِدَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مَخْتُونًا ثَلَاثَةَ عَشَرَ‏:‏ شِيثُ، وَنُوحٌ، وَهُودٌ، وَصَالِحٌ، وَلُوطٌ، وَشُعَيْبُ، وَيُوسُفُ، وَمُوسَى، وَسُلَيْمَانُ، وَزَكَرِيَّا، وَعِيسَى، وَحَنْظَلَةُ بْنُ صَفْوَانَ، وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ مَوْقُوفًا ‏{‏أَنَّ جِبْرِيلَ خَتَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ طَهَّرَ قَلْبَهُ‏}‏ وَرَوَى أَبُو عُمَرَ فِي الِاسْتِيعَابِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ خَتَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم سَابِعَهُ وَجَعَلَ لَهُ مَأْدُبَةً وَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا‏}‏ وَخَرَجَ بِالْبَالِغِ الصَّغِيرُ، وَبِالْعَاقِلِ الْمَجْنُونُ، وَبِمَنْ يَحْتَمِلُهُ مَنْ لَا يَحْتَمِلُهُ، لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ، وَالثَّالِثِ يَتَضَرَّرُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ خِتَانُ ضَعِيفِ خِلْقَةٍ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْهُ فَيُتْرَكُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ سَلَامَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ مِنْهُ اُسْتُحِبَّ تَأْخِيرُهُ حَتَّى يَحْتَمِلَهُ‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَهَذَا شَرْطٌ لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ، وَبِالْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ، فَلَا يَجُوزُ خِتَانُهُ مُطْلَقًا، لِأَنَّ الْجُرْحَ لَا يَجُوزُ بِالشَّكِّ‏.‏ هَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَقِيلَ‏:‏ يَجِبُ خِتَانُ فَرْجَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ لِيَتَوَصَّلَ إلَى الْمُسْتَحِقِّ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَعَلَى هَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ‏:‏ إنْ أَحْسَنَ الْخَتْنَ، خَتَنَ نَفْسَهُ، وَإِلَّا ابْتَاعَ أَمَةً تَخْتِنُهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا تَوَلَّاهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِلضَّرُورَةِ كَالطَّبِيبِ، وَمَنْ لَهُ ذَكَرَانِ عَامِلَانِ يَجِبُ عَلَيْهِ خَتْنُهُمَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَامِلًا فَقَطْ وَجَبَ عَلَيْهِ خَتْنُهُ فَقَطْ، وَإِنْ شَكَّ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ كَالْخُنْثَى، وَهَلْ يُعْرَفُ الْعَمَلُ بِالْجِمَاعِ أَوْ الْبَوْلِ‏؟‏ وَجْهَانِ، جَزَمَ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْغُسْلِ بِالثَّانِي وَرَجَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ‏.‏

المتن‏:‏

وَيُنْدَبُ تَعْجِيلُهُ فِي سَابِعِهِ فَإِنْ ضَعُفَ عَنْ احْتِمَالِهِ أُخِّرَ، وَمَنْ خَتَنَهُ فِي سِنٍّ لَا يَحْتَمِلُهُ لَزِمَهُ قِصَاصٌ إلَّا وَالِدًا، فَإِنْ احْتَمَلَهُ وَخَتَنَهُ وَلِيٌّ فَلَا ضَمَانَ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيُنْدَبُ تَعْجِيلُهُ‏)‏ أَيْ الْخِتَانِ ‏(‏فِي سَابِعِهِ‏)‏ أَيْ يَوْمَ الْوِلَادَةِ، لِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَتَنَ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ يَوْمَ السَّابِعِ مِنْ وِلَادَتِهِمَا‏}‏ وَقَالَ‏:‏ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَا يُحْسَبُ يَوْمُ الْوِلَادَةِ مِنْ السَّبْعَةِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنْ صُحِّحَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ يُحْسَبُ وَإِنَّمَا حُسِبَ يَوْمُ الْوِلَادَةِ مِنْهَا فِي الْعَقِيقَةِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَتَسْمِيَةِ الْوَلَدِ لَمَّا فِي الْخَتْنِ مِنْ الْأَلَمِ الْحَاصِلِ بِهِ الْمُنَاسِبُ لَهُ التَّأْخِيرُ الْمُفِيدُ لِلْقُوَّةِ عَلَى تَحَمُّلِهِ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ فِي السَّابِعِ لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا يُطِيقُهُ، وَلِأَنَّ الْيَهُودَ يَفْعَلُونَهُ فَالْأَوْلَى مُخَالَفَتُهُمْ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي الْإِحْيَاءِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُكْرَهُ قَبْلَ السَّابِعِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ وَلَوْ أَخَّرَهُ عَنْ السَّابِعِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُخْتَنَ فِي الْأَرْبَعِينَ، فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهَا، فَفِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي يُؤْمَرُ فِيهِ بِالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ ‏(‏فَإِنْ ضَعُفَ‏)‏ الطِّفْلُ ‏(‏عَنْ احْتِمَالِهِ‏)‏ فِي السَّابِعِ ‏(‏أُخِّرَ‏)‏ حَتْمًا إلَى أَنْ يَحْتَمِلَهُ لِزَوَالِ الضَّرَرِ ‏(‏وَمَنْ خَتَنَهُ‏)‏ مِنْ وَلِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏فِي سِنٍّ لَا يَحْتَمِلُهُ‏)‏ فَمَاتَ ‏(‏لَزِمَهُ قِصَاصٌ‏)‏ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ لِتَعَدِّيهِ بِالْجُرْحِ الْمُهْلِكِ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَطْعًا فَإِنْ ظَنَّ احْتِمَالَهُ كَأَنْ قَالَ لَهُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ يَحْتَمِلُهُ فَمَاتَ فَلَا قِصَاصَ، وَيَجِبُ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ ‏(‏إلَّا وَالِدًا‏)‏ وَإِنْ عَلَا خَتَنَهُ فِي سِنٍّ لَا يَحْتَمِلُهُ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِلْبَعْضِيَّةِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ عَمْدٌ مَحْضٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

السَّيِّدُ فِي خِتَانِ رَقِيقِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَالْمُسْلِمُ فِي خِتَانِ كَافِرٍ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ ‏(‏فَإِنْ احْتَمَلَهُ وَخَتَنَهُ وَلِيٌّ‏)‏ فَمَاتَ ‏(‏فَلَا ضَمَانَ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَالتَّقْدِيمُ أَسْهَلُ مِنْ التَّأْخِيرِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ، وَالثَّانِي يَضْمَنُ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الْحَالِ فَلَمْ يُبَحْ إلَّا بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يَشْمَلُ قَوْلُهُ ‏(‏وَلِيٌّ‏)‏ الْأَبَ وَالْجَدَّ وَالْحَاكِمَ وَالْقَيِّمَ وَالْوَصِيَّ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّ مَنْ لَيْسَ بِوَلِيٍّ يَضْمَنُ قَطْعًا‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ لِتَعَدِّيهِ بِالْمُهْلِكِ فَيُقْتَصَّ مِنْهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ إلَّا إذَا قَصَدَ بِذَلِكَ إقَامَةَ الشِّعَارِ فَلَا يُتَّجَهُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ شُبْهَةً فِي التَّعَدِّي، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي قَطْعِهِ يَدَ السَّارِقِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ ا هـ وَالْبَالِغُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ مُلْحَقٌ بِالصَّغِيرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْوَافِي، وَالْمُسْتَقِلُّ إذَا خَتَنَهُ بِإِذْنِهِ أَجْنَبِيٌّ فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ‏.‏

المتن‏:‏

وَأُجْرَتُهُ فِي مَالِ الْمَخْتُونِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَأُجْرَتُهُ‏)‏ أَيْ الْخَتْنِ وَبَاقِي مُؤَنِهِ ‏(‏فِي مَالِ الْمَخْتُونِ‏)‏ الْحُرِّ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَتِهِ فَأَشْبَهَ تَعْلِيمَ الْفَاتِحَةِ‏.‏ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَفِي وَجْهٍ أَنَّهَا عَلَى الْوَالِدِ‏.‏ أَمَّا الرَّقِيقُ فَأُجْرَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ إنْ لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْ الْكَسْبِ لَهَا‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

يُجْبِرُ الْإِمَامُ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ عَلَى الْخِتَانِ إذَا احْتَمَلَهُ وَامْتَنَعَ مِنْهُ، وَلَا يَضْمَنُهُ حِينَئِذٍ إنْ مَاتَ بِالْخِتَانِ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ وَاجِبٍ، فَلَوْ أَجْبَرَهُ الْإِمَامُ فَخُتِنَ أَوْ خَتَنَهُ أَبٌ أَوْ جَدٌّ فِي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ شَدِيدٍ فَمَاتَ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ دُونَ الْأَبِ وَالْجَدِّ نِصْفُ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْخِتَانِ وَاجِبٌ وَالْهَلَاكُ حَصَلَ مِنْ مُسْتَحِقٍّ وَغَيْرِهِ، وَيُفَارِقُ الْحَدَّ بِأَنَّ اسْتِيفَاءَهُ إلَى الْإِمَامِ، فَلَا يُؤَاخَذُ بِمَا يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ، وَالْخِتَانُ يَتَوَلَّاهُ الْمَخْتُونُ أَوْ وَالِدُهُ غَالِبًا‏.‏ فَإِذَا تَوَلَّاهُ هُوَ شَرَطَ فِيهِ عَلَيْهِ غَلَبَةَ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ، وَبِذَلِكَ عُرِفَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَالِدِ فِي الْخِتَانِ، وَمَنْ مَاتَ بِغَيْرِ خِتَانٍ لَمْ يُخْتَنْ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ يُخْتَنُ الْكَبِيرُ دُونَ الصَّغِيرِ، وَقَطْعُ السُّرَّةِ مِنْ الْمَوْلُودِ وَاجِبٌ عَلَى الْوَلِيِّ لِيَمْتَنِعَ الطَّعَامُ مِنْ الْخُرُوجِ‏.‏ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا وَلَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ أَحَدٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَفِي كِتَابِ الْمَدْخَلِ لِابْنِ الْحَاجِّ الْمَالِكِيِّ أَنَّ السُّنَّةَ فِي خِتَانِ الذُّكُورِ إظْهَارُهُ وَفِي خِتَانِ الْإِنَاثِ إخْفَاؤُهُ‏.‏ ‏.‏